الجيل الأول من مستخدمي الانترنت، إلى الآن الكثير منهم مش مستوعب التغيرات الكبيرة التي حدثت والطفرة في مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على جيل المراهقين بشكل خاص وعامة المجتمع بشكل عام.
خلال العشر السنوات الأخيرة حدث تطور كبير في مجال تكنولوجيا الاتصالات والانترنت، وبات الهاتف المحمول المزود بخط انترنت وكاميرا حديثة بيد كل شاب ومراهق بغض النظر على مستواه التعليمي والثقافة التي يحملها.
هذه الطفرة في مجال الاتصالات والانترنت والتنافسية الشديدة بين الشركات التي تقدم هذه التكنولوجيا، ساهم بشكل كبير في انتشارها بين الشباب والمراهقين وحتى عامة الناس، ووجدوها أداة يعبرون فيها عن أنفسهم وعن ذاتهم بغض النظر عن المحتوى الذي يتم تقديمه.
في نهاية التسعينات ومطلع الالفية الجديدة، كان الأمر مختلفا عما هو موجود اليوم، حيث تعود الجيل الأول من المتعاملين مع شبكة الانترنت على المنتديات ومواقع الانترنت التي كان يدخلها نخبة قليلة جداً ممن يجيد استخدام الكمبيوتر ويمتلك خط انترنت، والتي كان جلها يحتوي نقاشا جادا في قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية وحتى ترفيهية.
لكن مع مرور الوقت تطورت تكنولوجيا الاتصالات، بشكل كبير جداً، وصلنا إلى تقنية 5G واحدث الهواتف المحمولة وبأسعار في تناول الجميع، فقط كل ما تحتاجه خط جوال وشريحة فيها خدمة الانترنت واشتراك في مواقع التواصل الاجتماعي يمكنك من الوصول إلى الالاف من المتابعين أي تتحول إلى قناة فضائية وبكل يسر وسهولة.
وبالتزامن مع ذلك شهدت منطقتنا العربية صراعات وحروبا متعددة، ساهمت بشكل سلبي في حدوث فجوة كبيرة بين هذه التكنولوجيا ومستخدميها، أي أن هذه التكنولوجيا وصلت إلينا ونحن غير مستعدين لها بالمطلق، وبات الجميع يستخدمها بدون أي قيود أو ضوابط، بما جعلها تعمق الصراع السياسي والمجتمعي.
وتسبب ذلك في بروز ظاهرة الشهرة للسطحيين والتافهين واشباه المجانين، ليس في اليمن فقط، ولكن معظم الدول العربية تعاني منها، مثلاً في مصر برزت ظاهرة فناني المهرجانات الذين تمكنوا من تحقيق مشاهدات عالية جداً على موقع اليوتيوب لم يسبقهم اليها الفنانون الكبار بل ان احدهم ويدعى “حمو بيكا” وصل به الغرور إلى مهاجمة نقابة الفنانين المصريين والفنان المعروف هاني شاكر، ووصل به الامر إلى انه يتحداهم وينسف تاريخهم الفني، ومعه عشرات الالاف من المتابعين والمعجبين من المراهقين، ووصل للتراند على يوتيوب وتطبيق التيك توك مرات متعددة، مما جعل مواجهتهم من قبل النقابة فيها صعوبة كبيرة كونهم يجدون مواقع التواصل الاجتماعي ساحة للتعبير عن ما يرونه فنا، بغض النظر عن موقف النقابة من منعهم أو الاعتراف بهم.
في السعودية أيضاً هند القحطاني كل أسبوع تصل ترند على تويتر، ولا تملك غير جمالها تستعرض به على سناب شات والتيك توك ولم تقدم للسعودية شيىا يذكر، وتعد من ابرز مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي ليس فقط في السعودية ولكن في الخليج.
وفي اليمن ايضاً برز مصطفى المومري وهو شاب لا يجيد غير الزعيق والسب والشتم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمكن من الوصول إلى الاف المعجبين، ليس من المراهقين فقط ولكن لعدد كبير من المواطنين بمختلف الاعمار، وتمكن من حشد الالاف من المتابعين في ميدان السبعين بصنعاء لحضور عرسه وهو ما اثار مخاوف الحوثيين من شعبية الرجل.
الحقيقة ان هذه الظاهرة التي تتزايد مع الوقت، لها مخاطر كبيرة على المجتمع كونها تأتي على حساب نخبة المجتمع من علماء ومثقفين وشعراء وفنانين ولذلك مخاطر كبيرة على الأجيال القادمة وعلى ثقافة وسلوك المجتمع بشكل عام.
مشكلتنا في الوطن العربي اجتياح العولمة لنا، في وقت لم نكن مستعدين لها، سواء كانت العولمة السياسية أو التكنولوجية أو الاقتصادية، لذلك ندفع ثمنا باهظا في كل المجالات.
وللتقليل من الضرر لا بد من إجراء دراسات حول هذه الظاهرة، وكيفية الحد منها، ويجب ان تكون هناك قوانين صارمة تنظم العمل على مواقع التواصل الاجتماعي، بما يساهم في إبراز نخبة المجتمع لا العكس.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك