لم يعد الأمر خفياً ولا ملتبساً بعد كل البينات التي ارتسمت على أرض الواقع ونحن نقترب من الذكرى السنوية الأولى لتوقيع اتفاق الرياض، فالتوقيعات في اليمن لا تعني شيئا سوى تأجيل المواجهة حتى يجف حبر التوقيع.
أكثر المراقبين تشاؤماً، ومنهم كاتب هذه السطور، توقعوا أن تسعين يوما لا تكفي لتنفيذ اتفاق الرياض، وأن الأمر قد يحتاج إلى ضعف وربما ضعفي الفترة المحددة لهذا التنفيذ، لكن تبين أن الأمور أكثر سوءًا وسوداوية وتشاؤمية من تشاؤم هؤلاءِ المتشائمين.
بمرور الأيام والأسابيع والأشهر، والاقتراب من نهاية العام الأول، تبين أن الطرف الذي يمثل الشرعية (المختطفة) لم يوافق على الاتفاق إلا لمجرد كسب الزمن للانتقال إلى الخطة البديلة التي ما يزال يتمسك بها، وهي الذهاب إلى المصالحة مع الحوثيين في صنعاء بأية صيغة وبأي ثمن، انطلاقا من بيان (طي صفحة الماضي) الشهير، مع مواصلة تركيز القوى جنوباً باتجاه الانقضاض على الطرف الذي وقع معهم الاتفاق والشعب الذي يمثله ويقوده.
بعد اجتياح شبوة والتوجه نحو أبين وعدن بقوات قادمة من المناطق التي يحتلها الحوثيون، وبعد مواجهات أبين التي تكمل عامها الثاني قريبا، اجتهد جهابذة المشروع التركي لتجميد المواجهة مع الحوثيين في تعز (المجمدة أصلا منذ أكثر من أربع سنوات) وتأسيس الحشد الشعبي وحشده باتجاه الجبهة الجنوبية في محافظة لحج وإبقاء عدن مطوقة من الجهتين الشمالية- الغربية والشرقية على طريق الحصار والاجتياح، ولا يهم بعد ذلك إن كان محافظ عدن انتقاليا أو إصلاحيا أو مؤتمريا، فإسقاط عدن (كما يتوهم هؤلاء) كفيل بإطفاء أي شمعة يمكن أن يضيئها هذا المحافظ.
محاولة تطويق عدن هو الديدن الدائم لورثة مشروع 1994م الذين يتحكمون في صناعة قرار الشرعية ويخنقون الرئيس الشرعي بالاحتضان، فهم لا يندمون على شيء مثل ندمهم على السماح لعدن بأن تتحرر في العام 2015م في غفلة منهم، لكن مأساة هؤلاء أنهم لم يتعلموا من التاريخ، إذ يكررون مع الجنوبيين محاولات فشلت عندما كانوا في أوج قوتهم وكان الجنوبيون في أوج ضعفهم، ويعتقدون أنهم بتجميد الجبهات مع الحوثيين والاستعانة بهم في جبهات أخرى كالضالع وكرش وعقبة ثرة ومكيراس، سيغيرون في المعادلة العسكرية والسياسية، وهم بذلك يبددون طاقات لو أنفقوها في اتجاه صنعاء لكانوا استعادوها منذ سنوات ويراهنون على هزيمة الجنوبيين الذين للتو كسروا طوق الهزيمة واستعادوا زمام مبادرتهم على طريق النصر النهائي.
المهزومون أمام مليشيات منبوذة محليا وإقليميا ودوليا، لا يمكن أن ينتصروا على شعب تعود طوال تاريخه على صناعة الانتصارات في أحلك الظروف وأشدها قسوة، وهم بمساعيهم هذه لا يفعلون سوى محاولة إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وهو حلم عصي على التحقق لأنه يقاوم قانونية التطور وسنة حركة التاريخ التي لا تعرف التوقف ولا الانكسار.
وأخيراً:
رسالتي للأشقاء رعاة اتفاق الرياض!
لقد كان اتفاق الرياض انتصاراً لكم، وبالتالي فإن فشله هو فشلٌ لكم، والناس يتساءلون: هل دعوتم إلى هذا الاتفاق لتفشلوه أم لتنجحوه؟ وهل التجييش على عدن من نواحي شبوة وأبين والضالع وكرش والصبيحة وتعز يدخل ضمن مقتضيات تنفيذ اتفاق الرياض؟
وأخيراً، هل سمعتم ضيوفكم وممثليهم في الدوحة واسطنبول وهم يكررون ما يقوله أتباع مشروع إيران: إن السعودية لم تتدخل في اليمن إلا لتدميره وضرب بعض أبنائه ببعضهم، وتدمير الدولة اليمنية (كما يقولون) فإذا كنتم لم تسمعوهم فاسمعوهم واقرأوا ما يكتبون وردوا عليهم بالأفعال وليس بأقوال المحللين السياسيين؟
تطويق عدن ومحاولة اجتياحها للمرة الخامسة عمل لا يهدد عدن والمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المسلحة الجنوبية ولا حتى كل الجنوب فحسب، بل يهدد المشروع العربي والجوار العربي وفي المقدمة دولتا التحالف الشقيقتان الخليجيتان، السعودية والإمارات، والتفرج على هذا العمل قد لا يكسر شوكة الجنوبيين، بل قد يقويها ويزيدها صلابة وتماسكاً لكنه يضاعف التساؤل المشروع للجنوبيين عن موقف الأشقاء إزاء التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ونسخته اليمنية التي ترعى التنظيمات الإرهابية وتستعين بها في حربها على الجنوب والجنوبيين، وفحوى التساؤل: كيف نفهم تصنيف حركة الإخوان المسلمين كحركة إرهابية (وهي فعلا كذلك) ثم تسليح فرعها في اليمن ودعمه ضد الشعب اليمني في الشمال والجنوب؟ وكيف تخذلون من قدم أرواح أبنائه انتصارا لحربكم على المشروع الإيراني، وتدعمون من خذلكم ولم يحرر مديرية واحدة من احتلال أنصار المشروع الإيراني، وهو ينفذ في الوقت نفسه المشروع التركي القطري في اليمن وفي الجنوب؟
والسلام على الجميع وللجميع.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك