العلاقات الإيرانية الحوثية … عقدان من الخلوة المحرمة انتهت بزواج عرفي
قبائل اليمن /متابعات
لم يكن إعلان النظام الإيراني عن وصول أحد قياداته العسكرية إلى صنعاء بوصفه “سفيراً فوق العادة ومطلق الصلاحية” إلا تتويجاً للجهود الدؤوبة التي بذلها مرتزقته الممثلين في مليشيات الحوثي لترسيخ وجود إيران في اليمن طيلة عقدين من الزمن انتقلت فيها العلاقة الإيرانية الحوثية من السرية إلى الجدلية بين الإنكار والاعتراف إلى الاعتراف العلني بانقلاب مليشيا الحوثي في تجاوز لإرادة الشعب اليمني وقرارات المجتمع الدولي.
في 2002 وبعد أعوام من العمل السري الذي قاده مؤسس المليشيا حسين الحوثي منطلقًا من جبال صعدة، بدأت المليشيا في الانتقال إلى المرحلة العلنية جزئيًا من خلال رفع الصرخة الإيرانية في جوامع صعدة، وفي الجامع الكبير بصنعاء، بعد أن كان محدوداً في بعض القرى بصعدة منذ 94م، ليتطور الأمر في 2004 إلى البدء بالتمرد على الدولة وخوض 6 جولات من الحروب ضد القوات الحكومية في محافظة صعدة.
نهاية الجولة السادسة من الحرب في 2010 كانت المليشيات قد سيطرت على 6 من معسكرات الجيش بعتادها، ونهبت كميات كبيرة من الأسلحة من مخازن وزارة الدفاع توازي ثلث ما لدى بقية الوحدات، واتسع سيطرتها ليمتد إلى محافظات الجوف وحجة ومديرية سفيان بمحافظة عمران بعد التهامها لمحافظة صعدة باستثناء عاصمة المحافظة وبقايا مناطق كان يتواجد بها السلفيون.
استغلت مليشيات الحوثي الخلافات بين القوى الوطنية لاستكمال سيطرتها على محافظة صعدة ونجحت في قمع وتهجير كل من يختلف معها فكرياً وسياسياً من أبناء محافظة صعدة وكذا الساكنين فيها، لتنتهي في 2013 من ارتكاب أكبر عملية تهجير جماعية طالت 1500 أسرة من منطقة دمّاج التي يقطنها أتباع المذهب السلفي بعد حصار فرضته على المنطقة لنحو 3 أشهر تزامن مع قصف مدفعي.
وسّعت مليشيا الحوثي من مساحة سيطرتها مستغلة أحداث ثورة 2011 وأرسلت مسلحيها لقتال القبائل القوية في الجوف وحجة وشمال عمران، وشن هجمات للسيطرة على المزيد من المعسكرات ونهب أسلحتها وتخزينها في جبال صعدة تمهيداً لمعاركها القادمة.
كما استغلّت انشغال القوى الوطنية بمؤتمر الحوار الوطني الشامل، ومعالجة المظالم وقضيتي الجنوب وصعدة، لاستقطاب ضباط الجيش وقيادات عسكرية وتذهب بهم لتدريب عناصرها في جبال صعدة، وكذا بناء معامل صناعة الألغام والمتفجرات وإعدادها كسلاح رديف يفتك باليمنيين ويشل حركتهم.
اعترافات جزئية
كانت طهران حتى العام 2014 تنكر دعمها لمليشيا الحوثي، بينما تعمل أداتها الحوثية على تعبيد الطريق أمامها وصولاً إلى إرسال الحاكم العسكري مؤخرًا.
في سبتمبر 2014 اجتاحت مليشيا الحوثي العاصمة صنعاء، بعد أن حاصرتها لأشهر لتتوج بذلك المخطط الإيراني في اليمن، وحينها بدأت مرحلة الاعترافات الإيرانية الجزئية بوقوفها وراء مليشيا الحوثي، حيث أعلن قادة الحرس الثوري الإيراني صبيحة اليوم التالي لانقلاب المليشيا أن صنعاء أصبحت رابع عاصمة عربية تسقط في أيديهم، في خطوة أكّدت وقوف إيران وراء مشروع الحوثي التدميري العابر للحدود.
شكل سقوط العاصمة صنعاء بيد مرتزقة إيران دافعاً إضافياً لنظام الملالي لمضاعفة دعم المليشيات الحوثية في مختلف الجوانب، باعتبار أن ما حدث هو انتصار إيراني بالأساس، وهو ما أكده البرلماني الإيراني علي رضا زاکاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي، حينما قال إن “ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينية”، مبشّراً بأن 14 – هي المحافظات الشمالية – من أصل 20 محافظة يمنية ستصبح خلال وقت قصير تحت سيطرة الحوثيين – كما قال.
وبعد سيطرة المليشيا على صنعاء كانت أولى خطواتها محاصرة مبنى الأمن القومي وإطلاق سجناء من الحرس الثوري الإيراني الذين كانت قد ضبطتهم القوات اليمنية عام 2013 على متن السفينة الإيرانية “جيهان1” التي كانت تحمل شحنة أسلحة إيرانية في طريقها إلى الحوثيين وقدَّرت حمولتها بنحو 48 طنًّا من الأسلحة والقذائف والمتفجرات.
وانتقلت مليشيا الحوثي بعد ذلك في خطوة ثانية إلى فتح البلاد أمام الخبراء الإيرانيين من خلال توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “ماهان اير” الإيرانية تمنحها حق تسيير 14 رحلة أسبوعياً من طهران إلى صنعاء، وفي 1 مارس 2015م استقبل مطار صنعاء أوّل رحلة مباشرة قادمة من طهران.
ومن خلال هذه الرحلات الجوية مكنت مليشيا الحوثي مئات الخبراء من الحرس الثوري الإيراني والمرتزقة الشيعة من الوصول إلى صنعاء، قبل أن تتوقف هذه الرحلات مع انطلاق عملية “عاصفة الحزم” بقيادة المملكة العربية السعودية بناء على طلب الحكومة الشرعية لمساعدتها في مواجهة إيران ومليشياتها التي تسعى للسيطرة على اليمن وتهديد الدول المجاورة والمصالح الدولية في المنطقة.
ورغم توقف الرحلات الجوية، إلا أن إيران ابتكرت طرقاً بديلة لإمداد مرتزقتها في اليمن بالأموال والسلاح والمقاتلين ومنها خطوط التهريب “براً وبحراً” وما تزال تهرّب السلاح والجنود والخبراء لدعم الحوثيين حتى الآن عبر هذه الخطوط وآخرهم القائد العسكري “حسن إيرلوا” الذي لم يعرف طريقة وصوله حتى اللحظة.
وفي ديسمبر 2019، كشفت مجلة “انتيليجنس أونلاين” الفرنسية، عن وجود قوة إيرانية في اليمن مكونة من حوالي ٤٠٠ مقاتل من الحرس الثوري، يعززها خبراء من “حزب الله” اللبناني تم إرسالهم من لبنان إلى صنعاء لتقديم الدعم الميداني المباشر للحوثية، ويتولى قيادتهم أحد ضباط “فيلق القدس” يدعى “عبد الرضا شلائي”.
وأوضحت المجلة المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن الجنرال “شلائي” ابن مدينة شيراز الإيرانية، هو من يقود الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على المنشآت الحيوية في السعودية وبالأخص الهجوم الصاروخي على منشأة أرامكو النفطية منتصف سبتمبر 2019.
طهرنة الأمن والاتصالات
وفي سياق تمهيد الطريق للحاكم العسكري الإيراني عملت مليشيا الحوثي بعد الإنقلاب على تمكين ضباط إيرانيين من تسيير أبرز الأجهزة الأمنية بشكل خفي، وعلى رأسها جهازي الأمن القومي والسياسي والتي أعلنت مؤخرًا دمجهما في جهاز الأمن والمخابرات.
وكانت الخطوة الأخطر هي استقدام خبراء إيرانيين للتجسس على اليمنيين مستغلّة سيطرتها على مؤسسة الاتصالات اليمنية الحكومية وشركات الاتصالات الخاصة، وعلى ضوئها مارست أبشع أنواع القمع والإرهاب ضد كل من تبقى في تلك المناطق ممن لا يؤمنون بمعتقداتها الدينية الطائفية ولا يدعمون انقلابها على الشرعية، وهو ما مكنها من إخلاء الساحة من كل معارض لمشروعها العنصري.
ومع نهاية 2017 كانت قد تخلّصت من معظم من تحالف أو تعاون معها في انقلابها على الحكومة الشرعية وساعدها في الوصول إلى العاصمة صنعاء واحتلالها ممن لا يؤمنون بأفكارها أو ينتمون إلى الأسر الهاشمية، وعلى رأس هؤلاء الرئيس السابق على عبدالله صالح، الذي قتلته بطريقة وحشية في 4 ديسمبر 2017.
وبعدها تحوّلت صنعاء إلى أشبه بمدينة إيرانية لا حياة فيها إلا للمقابر ومواكب التشييع والتي تفوق الاحتفالات والأنشطة الطائفية التي تقيمها المليشيا الحوثية باستمرار وتنفق عليها الأموال الضخمة مما تنهبه من مؤسسات الدولة ومن الجبايات المفروضة على التجار والمواطنين.
حاكم عسكري إيراني
وبعد قرابة 20 سنة من العمل الحوثي الدؤوب لتمكين إيران من حكم اليمن بدءً من السرية إلى الجهر بالشعار الإيراني ومن ثم رفع السلاح على الدولة والسيطرة على صنعاء، وصولاً إلى تعيين سفير لها في طهران سنة 2019، تأكد للنظام الإيراني أن صنعاء أصبحت بالفعل حضيرة تابعة لها ولم ينقصها سوى حاكم عسكري تحت مسمى سفير، لتعلن في 17 أكتوبر 2020 عن وصول “حسن إير لو” إلى صنعاء كسفير منحته صلاحيات مطلقة كما ورد في خبر وكالة أنباء فارس.
وحول هويّة الحاكم الإيراني الجديد لصنعاء، أوضحت دراسة نشرها موقع منتديات الشرق في العام ٢٠٠٩ أن المدعو “حسن ايرلو” قائد عسكري إيراني كبير متخصص في الأسلحة الدفاعية المضادة للطائرات والدبابات والمدرعات.
واستندت الدراسة على إفادة شخصين من “حزب الله” وقعا في الأسر لدى جيش الكيان الصهيوني خلال “حرب لبنان الثانية” وأفادا بأنهما تدربا في معسكر بهونار الذي يقع بمدينة خرج شمالي طهران، وحينها كان “قائد التدريبات على الأسلحة المضادة للطائرات عام 1999 كان مرشدًا إيرانيًا كبيرًا يدعى حسن ايرلو”.
ويشير باحثون إلى أن “حسن إيرلو” ضابط في قوات “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، ولم يسبق وأن تقلد “حسن ايرلو” أي منصب دبلوماسي من قبل، كما أنه شقيق “حسين ايرلو” أحد أبرز قادة الحرس الثوري الذين لقوا مصرعهم في الحرب العراقية الإيرانية.
ويرى مراقبون أن الإعلان الإيراني بمثابة تدشين حكمها الفعلي للعاصمة اليمنية صنعاء، كما سبق وأن أعلنت سقوطها بيدها قبل 6 سنوات.
كما أنه يؤكد التبعيّة الحوثية المطلقة لنظام الملالي في طهران، وما التصريحات الإيرانية الأخيرة سوى إعلان الزواج العرفي بعد عقدان من الخلوة المحرمة، وفقاً للمراقبين.
تعليق ختامي للمحرر
وبتهريب النظام الإيراني لسفير له إلى مليشيا الحوثي يكون هذا النظام قد أسدل الستار على مرحلة تجاوزت العشرين عاما من الخلوة المحرمة مع المليشيا، محاولا شرعنة علاقته المشبوهة بزواج عرفي تجاوز قبول ولي الأمر، ووثيقة الزواج، وشروط النفقة والحقوق الشرعية.
نقلا عن الثورة نت