من الخطأ تعميم نتائج “الربيع العربي” على كل البلدان، فكل بلد استقبل وتعامل مع نتائج الهزة بطريقة مختلفة.
إذا كان معيار نجاح الثورة هو اسقاط النظام السابق ووصول الثوار الى الحكم فالربيع العربي قد نجح في اليمن!
قد يكون النجاح كارثيا لكن هذه هي الحقيقة المرة بالمعيار الثوري.
من يمسكون بالسلطة في صنعاء هم من ثوار الساحات، ولا أظن أن “قادة” الثورة قد نسيوا ترحيبهم بسيطرة الحوثيين على صعدة باعتبارها اول محافظة تسقط في يد الثوار.
ومن يمسكون بالسلطة في مأرب وتعز وفي حكومة المنفى الفندقية هم أيضا من ثوار الساحات وممن دعموا الربيع بقواهم الحزبية وأموالهم.
ومن يمسكون بالسلطة في الجنوب كثير منهم جاؤوا من ساحات الربيع وشعاراته، ولولا الربيع لما تمكنوا من السيطرة على الاوضاع بعد انهيار السلطة المركزية في صنعاء.
بالنسبة للسيناريو اليمني يبدو الحديث عن الثورة المضادة والدولة العميقة ساذجا ونقلا حرفيا لاوضاع تنطبق على دول عربية أخرى ليس من بينها اليمن.
الثوار من كل التيارات السياسية اليمنية اصبحوا اليوم مسؤولين في “الحكومات” المتعددة التي تقاسمت البلد المفتت، منهم من صار رئيسا ونائبا ووزيرا أو وكيلا أو سفيرا أو مخبرا أو جلادا أو واشيا أو حقوقيا مرتزقا.. لكنهم جميعًا جاؤوا من ساحات الربيع والحلم بالمدينة الفاضلة بعد اسقاط النظام.
من يعذبون ويغتصبون في السجون هم الثوار.
من يمارسون التجويع الجماعي وبرفصون دفع مرتبات الموظفين الجوعي هم من الثوار.
من يطالبون بقتل مليون أو 2 مليون أو 11 مليون يمني من أجل نجاح الثورة هم الثوار.
من كانوا يهللون للتدمير الشامل للمدارس والمباني والجسور والمستشفيات هم الثوار..
ثوار من كل صنف ولون.. من النجمة الحمراء إلى الهلال الأخضر إلى العمامة السوداء…
فكيف يكون الربيع فاشلا إذا كان من يمسك السياط اليوم هم الثوار؟!
* * *
يربط ثوار الربيع العربي، ذهنيا، بين تحركهم وبين “الثورة الفرنسية”، وهو ربط يفتقر للدقة ويقفز بين مجالين ثوريين مختلفين لا تشابه بينهما.
عرف العرب نوعين من الثورات: مرحلة الثورات التحررية التي قادها العسكر في خمسينات وستينات القرن الماضي التي دشنتها ثورة يوليو، ثم مرحلة الثورات الدينية التي مثلتها الثورة الإيرانية 1979م.
ولم يغادر الربيع العربي أبدا سيناريو الثورتين: الثورة التي تقذف بالمجتمع في حضن العسكر، والثورة التي تقذف بهم في حضن المفتي.
كانت الثورة الفرنسية نتاج عصر التنوير وافكار روسو وكانت والعلمانية والحرية وسيادة القانون، أما الربيع العربي فكان في مجمله ابن عصر الأسلمة والتنوير المضاد المعادي للحداثة من ناحية، وابن مرحلة اللعبة الانتخابية التي سادت بعد نهاية الحرب الباردة وتدشين سياسات الإصلاح الاقتصادي من الناحية الأخرى..
تحت هذا الإطار فان الإحالة للثورة الفرنسية لتبرير فشل الربيع بحجة أن الثورة الفرنسية استمرت عشرات السنين قبل تحقيق أهدافها إحالة في غير محلها.. لا الظروف هي الظروف، ولا المجتمع هو المجتمع!
والاصح هو الإحالة للثورة الإيرانية، لأنها الأقرب لتفسير ما حدث..
* * *
الفارق بين الديكتاتور العربي والثائر العربي أن الديكتاتور يصادر حقك في الكلام ويرضى بصمتك، أما الثائر فيصادر حقك في الكلام وحقك في الصمت، ولن يرضى عنك إلا إذا نطقت بالكلام الذي يريد، بالطريقة التي يريد، في الوقت الذي يريد…
* من منشورات للكاتب على صفحته في الفيس بوك