يشكل اتفاق الرياض سانداً سياسياً هاماً لتوازن القوى السياسية شمالاً وجنوباً، ولقاحاً للشرعية ضد التوغل الإخواني الذي امتد لخمس سنوات داخل كل مفاصل الدولة لا سيما العسكري منها، فهو يحاول تفكيك جزء من هذه المنظومة التي طوقت الشرعية وخلقت وضعاً متأزماً مع كل مكوناتها دون استثناء وأفسحت المجال للتدخلات المختلفة واستنزاف الشرعية والتحالف.
كما يشكل الاتفاق ضامناً لتخفيف موجات المواجهات العسكرية بين مكونات الشرعية التي استمرت منذ أغسطس 2019 وأخذ موجات متتالية، كان من أسبابه الارتدادات العسكرية لقوات الشرعية في مأرب والتي تركت مواقعها وزحفت إلى أبين.
– احتمالات النجاح والإخفاق
يتضمن اتفاق الرياض ثلاثة ملفات أهمها العسكري، وقد بدأت ملامح تنفيذه منذ الأمس، وهناك انسحابات لقوات الشرعية إلى لودر من زنجبار، وبالمقابل انسحاب قوات الانتقالي إلى جبهات الضالع.
وهذا في حد ذاته يشكل النقطة الأبرز في هذا الملف وعصبه الرئيس، وتبقى احتمالات الاهتزاز واردة اذا لم تستكمل قوات الشرعية الانسحاب إلى مأرب باعتبارها مناطق الجبهات التي تركتها واتت منها وليست لودر حتما. وهذا الأمر يعود إلى حسم اللجان المشرفة من التحالف لهذا الأمر.
الملف الأمني سيكون الأصعب والأكثر تعقيداً بتفاصيله وربما يطول الوقت لتنفيذه بسبب تفاصيله المتداخلة، في ظل الاتفاق على بقاء لواء الحماية الرئاسية في عدن وكذلك حجم القوة الأمنية التي يمكن أن ترتب في أبين وسوف يلعب وزير الداخلية الدور الأصعب في هذا الملف، لا سيما والقوات الأمنية كانت قوات عسكرية بطريقة وأخرى.
أما الملف السياسي والاقتصادي فلن تكون إشكالاته كبيرة بين الأطراف رغم أنه الكارثة الأهم بالنسبة لجموع الشعب الذي أرهقته الظروف المعيشية وأحاط به الفقر مع الحرب من كل اتجاه.
ومن المتوقع أن تضخ دول التحالف مبالغ على شكل ودائع للبنك المركزي، كما ستقوم بصرف استحقاقات المرتبات ودعم الخدمات.
هل يشكل الاتفاق خارطة طريق؟
من المبكر القول، إن اتفاق الرياض يشكل خارطة طريق لشكل العلاقة بين مكونات الشرعية أو بين الشمال والجنوب، كما أنه من المبكر التفاؤل المطلق بنجاحه وعدم توقفه أو انهياره في لحظة ما، بسبب حجم الفجوة المهولة بين الأطراف وفقدان الثقة، لكن يبقى هذا أفضل الخيارات المتاحة.
ولعل وجود المملكة والإمارات كضامن للأطراف المتعددة سيجعل اي إخفاق محسوبة على التحالف قبل الشرعية والانتقالي في ظل تربص بالغ التعقيد لدول إقليمية لإفشال الاتفاق.
– ليس إنجازاً سياسياً
وأخيراً.. لا يمكن اعتبار اتفاق الرياض إنجازا سياسيا، لأنه دين سياسي مستحق منذ أربعة عشر شهرا مضت، ولأنه الحد الأدنى الذي يجب القيام به من كل الأطراف، لكي يتم العودة إلى المشكلة الرئيسة مشكلة الانقلاب الحوثي التي تم نسيانها في زحمة مسرح الشرعية الغارق بالخصومات والتداخلات المحلية والإقليمية والذي استثمرته جماعات الدين لصالح دول تريد لليمن مزيدا من الشتات وللتحالف مزيدا من الاستنزاف وليس الدور القطري والتركي والإيراني عبر ايديها ببعيد عن ذلك كله.
ولذلك تبقى الأشهر القادمة محكا عمليا لاختبار ثبات هذا الاتفاق، وجدية الأطراف لحمايته ستحوله إلى إنجاز.
-الاتفاق وثيقة سياسية هامة ومرجعية رابعة للمرجعيات الثلاث السابقة
اتفاق الرياض بكل أدبياته التي تم التعديل والإضافة لها في ثلاث مراحل مختلفة يعد وثيقة سياسية هامة لأي اتفاقات قادمة تحاول رسم خارطة طريق للقضية اليمنية برمتها.
ولا شك أنه أصبح بمثابة مرجعية رابعة بالإضافة إلى المرجعيات الثلاث المشهورة.
وهنا تكمن أهمية الاتفاق والوثيقة، وهو ليس ببعيد عن ملامح اتفاقيات الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق في التسعينات وقريب بشكل أو بآخر من وثيقة مخرجات الحوار الوطني وحيثيات المبادرة الخليجية، بل يمكن تسميته بابا جديدا من أبوابهم جميعا.
ولذا فإن الملاحق المرفقة بالاتفاق والتفاصيل ستكون أيضا معالم في تموضعات اي قوات للجيش مستقبلا وستجعل أيضا من الانتقالي ممثلا رئيسا للجنوب إذا لم يكن وحيدا.
– وأخيرًا الكاسبون والخاسرون
ليس من الضروري هنا رصد الكاسب الأكبر أو الخاسر الأبرز، فالاهم أن أي حقن للدماء وأي توافقات هي مكاسب وطنية كبرى ينبغي الاحتفاء بها بالضرورة.