قلت يومها للصديق الإعلامي “بليغ المخلافي”: يبدو أن “أمريكا” تحمل رؤية رومانسية حالمة تجاه “الجماعة الحوثية”.. فقد ظل السفير الأمريكي يثني عليها ويتغزل بها طوال الوقت.!
كنّا، حينها، خارجين للتو من فندق “فور سيزن” في القاهرة. بعد حضور لقاء دعا له السفير الأمريكي السابق لليمن “ماثيو تولر”. وعقده هناك، مساء الثلاثاء الـ 3 من إبريل 2018م.
لم يتجاوز عدد الحضور، من الكُتاب والإعلاميين اليمنيين، أصابع اليدين.. وتمنيت بشدة لو كان من ضمنهم عدد من كبار الإعلاميين الحوثيين والمتحوثين.. حتى يكفوا قليلاً من تصديعنا بالترهات.!
كان ذلك اللقاء بمثابة دعوة لإنصاف الحوثيين، كان السفير الأمريكي يتحدث عن “الجماعة الحوثية” كما لو أن هذه الجماعة الانقلابية هي التي تم الانقلاب عليها، وأنها تبحث لنفسها عن موطئ قدم شرعي بجانب المكونات اليمنية الأخرى، وليس العكس.!
لم تكن قد مرت سوى أشهر قليلة على “انتفاضة ديسمبر” “2017” التي دشنها وراح ضحيتها الرئيس السابق، الذي حظي في ذلك اللقاء ببعض الثناء، كرئيس لدولة كانت حاضرة ومقبولة وتقوم بالحد المعقول من الواجبات والالتزامات تجاه الشعب اليمني.
في المقابل شنّ السفير هجوماً حاداً على “دولة هادي” “حكومة الشرعية”، وبكمًّ هائلٍ من القرف والشعور بالإحباط.. تحدث عن نجاحها الكبير في تضييع الفرص، وفشلها الذريع في إثبات نفسها في المناطق المحررة.!
تحدث كذلك عن قضية الجنوب، والشأن الإنساني، والمساعدات الأممية، وهشاشة أفكار المبعوث الأممي، وأهمية الاستماع لمختلف الأطراف، وأهمية البناء على المشاورات الدولية السابقة لحل الأزمة اليمنية..
لكن محور اللقاء كان “التشبيب” بالجماعة الحوثية. أغلب الحديث تكرس لإخبارنا وبالتالي لإخبار الشرعية وغيرها وحتى الحوثيين.. بأن هناك ما يشبه خطوطاً أمريكية حمراء بشأن علاقة الأطراف اليمنية الأخرى بهذه الجماعة “الطيبة”.!
كما تحدث عن محادثات مباشرة وغير مباشرة بين أمريكا والحوثيين، وعن تقديمها لهم ضمانات قوية.. باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من اليمن ومن الحل. ومن مستقبل الخارطة السياسية في اليمن.
لم تكن المشكلة اليمنية بالطبع، حينها، ولا في أي وقت. تتعلق بقبول الأطراف اليمنية الأخرى بالحوثيين، بل على العكس. بقبول الحوثيين بالأطراف الأخرى، ومدى استعدادهم للانخراط في الشراكة والنزول وفق مقررات الإجماع الوطني.
الحرب أصلاً كانت نتيجة لهذا الجنوح والجموح الحوثي. لكن، هكذا طرح السفير الأمريكي الأمر، مع توجيه بعض الانتقادات لهذه الجماعة. في إطار أن عليها الاستماع لبعض النصائح. مثل:
“حتى يكون البلد مستقراً. لا بد أن يكون هناك أنظمة وقوانين لا تفرق بين المواطنين على أساس المذهب والمعتقد والقبيلة”.!
في كل حال. هذه هي الرؤية المبدئية لأمريكا تجاه الجماعة الحوثية. قيام إدارة ترامب في أيامها الأخيرة بإدراج الجماعة الحوثية ضمن قائمة الإرهاب، لا يتنافى مع الخطوط العريضة لهذه الرؤية. بقدر ما يمثل ورقة ضغط لجعلها تنصاع لها.
وأياً كان موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من ورقة الضغط هذه، سيظل الموقف الأمريكي من الحوثيين هو هو. ضمن استراتيجية ثابتة في خطوطها العامة ونقاطها الجوهرية، ومستمرة على المدى المتوسط على الأقل.
المهم هنا. أن أمريكا -وعلى عكس ما تروج له “البروباجندا” الإيرانية والحوثية- ليست ضد الحوثيين بالضرورة، ولا عدوتهم الوجودية. وفي الواقع فإن أمريكا تتعامل مع الحوثيين وإيران باعتبارهم أرقاماً ضرورية لخدمة استراتيجيتها في المنطقة.
لا يهم بعد ذلك ما تقوله الجماعة الحوثية. بشأن قضيتها وموقفها من أمريكا، فهي بوعي أو بدون وعي، بيدق على رقعة شطرنج دولي، بغض النظر عن “الصرخة الخمينية” التي هي مجرد شعار سياسي شعبوي مستعار للاستهلاك المحلي.!