لا جديد في ما تضمنه موقف هيئة كبار علماء المسلمين في المملكة العربية السعودية بشأن اعتبار “جماعة الإخوان المسلمين” تنظيما إرهابياً، إلا ذلك التعليل الفقهي الذي تضمنه البيان واستقراء موقف الجماعة الخفي في خطابها السياسي وتصرفات قياداتها وقواعدها إزاء مصالح الشعوب وممارستها شيئا مختلفا عن أقوالها، وتناقض شعاراتها مع أفعالها على الأرض.
الجديد هذه المرة أن الموقف يصدر من قلب العالم الإسلامي، حيث الحرمين الشريفين ومهبط الوحي وميلاد وانتشار الرسالة الإسلامية السامية، التي تتدعي الجماعة زورا أنها تنشط تحت رايتها، وفي بلاد تستضيف معظم النازحين السياسيين المظلومين، وبعض الظالمين الذين غضبت عليهم شعوبهم فأسقطتهم، بما في ذلك بعض ممثلي هذه الجماعة التي تضمنها البيان.
منذ سطوها واستحواذها على ثورات الربيع العربي والاتجار بدماء شهدائها واتخاذها وسيلة للاستيلاء على السلطة، بل ومنذ احتضانها للجماعات الإرهابية العالمية (المسماة بالجهادية) كشفت حركة الإخوان المسلمين عن وجهين:
وجه سياسي تتحاور به مع الأطراف السياسية الوطنية والإقليمية والدولية، ولا تتورع هذه الجماعة عن استخدام قاموس المؤسسات الحضارية والمنظمات الحداثية وحتى الاتجاهات العلمانية، من مفردات “الديمقراطية، والدولة المدنية، والعدالة الاجتماعية، والتعايش، والتسامح، وحتى التداول السلمي للسلطة” وكلها مفردات لا تؤمن بها هذه الحركة لكنها تستخدمها للتضليل الإعلامي ومغالطة المجتمع الدولي بها.
والوجه الآخر، وهو وجه الإرهاب “الذي يسمونه جهاداً” وهو الأداة التي تواجه بها الجماعة كل من يختلف معها سياسيا أو فكريا أو أيديولوجيا أو حتى في المصالح الاقتصادية، وبه تنسف كل ما يقوله مروجوها وكتابها وصناع دعايتها عن “الديمقراطية والدولة المدنية . . . وغيرها” ويكشف الوجه الحقيقي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
وحتى لا نذهب بعيدا علينا أن نتذكر أن كل التنظيمات الإرهابية (التي يسمونها جهادية) منذ جماعة التكفير والهجرة في مصر حتى تنظيم القاعدة، وداعش، وأنصار الشريعة، وجماعة بيت المقدس وسواها، خرجت من تحت عباءة تنظيم الإخوان المسلمين، وبعضها يعمل بتنسيق وحماية من الجماعة وقياداتها وفروعها كلٌ في البلد المعني حيثما يكون لها نفوذ.
وتجربة الجنوب مع هذه الجماعة تقول أن الجماعات الإرهابية ظلت منذ 1994م تتغذى وتتمول وتتمون وتُعَدّ برعاية مباشرة من تنظيم الإخوان وقيادته العسكرية في إطار الجيش اليمني، والتفاصيل التي تؤكد ذلك متعددة وكثيرة، لكننا نشير إلى أن الجماعات الإرهابية اليوم لا تنشط ولا تنتشر إلا حيث تسيطر جماعة الإخوان على جهاز الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، فقد اختفت من شبوة زمن النخبة الشبوانية، وعادت إليها بعد غزوة أغسطس 2019م وهيمنة الإخوان على المحافظة.
كما هزمت هذه الجماعات على أيدي النخبة الحضرمية، واختفت نهائيا من مديريات الساحل في حضرموت، لكنها تنتشر وتنشط وتتوسع في بعض مديريات الوادي حيث يسيطر الجيش (الشرعي)، الجناح العسكري لجماعة الإخوان وعندما تبحث عن ملاذ تعود إلى معسكراته لتنعم بالأمان في كنفه.
وهكذا فما ورد في بيان هيئة كبار علماء المسلمين، بالنسبة لبعض اليمنيين ومعظم الجنوبيين لا يمثل إلآ تأكيدا لما أكده ويؤكده ممثلو النخبة الفكرية والسياسية الذين لا يرون في الفرع اليمني للإخوان إلا تيارا إرهابيا يتلفع بعباءة الدين لتمرير أجندات مشبوهة ظاهرها السياسة وباطنها الإرهاب والتمهيد لبسط هيمنة التنظيم الدولي للجماعة فضلا عن التخريب والنهب والسلب والسطو، وهل نسينا أكبر عمليتي نهب في التاريخ الحديث، شركة الأسماك والأحياء البحرية، وشركة المنقذ؟؟
* * *
ميناء قنا وما أدراك!!!
لا يوجد مواطن ولا ناشط سياسي جنوبي إلا ويتمنى الخير لمحافظة شبوة مثلما لكل محافظات ومديريات الجنوب وأهلها الذين أنهكهم الفشل السياسي وصراعات جماعات المصالح، والاستثمار في الحرب كما في السلم.
الأنباء المتداولة عن اتفاقية أبرمها محافظ شبوة العضو في جماعة الإخوان المسلمين مع شركة مجهولة الهوية وبتمويل من مصادر مجهولة، وبشروط لا أحد يعرف ماذا تتضمن، لإنشاء ميناء “قنا” بمحافظة شبوة وفي ظل تجاهل للجهات المفوضة قانونيا بإبرام الاتفاقيات والمصادقة عليها، وأهمها رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب، كل هذا يطرح أسئلة تعبر عن القلق الذي أبداه آلاف الناشطين والمواطنين من أبناء شبوة والجنوب والشمال على السواء.
قانونيا أي اتفاقية دولية لا تمر عبر القنوات القانونية هي باطلة، وهذا ينطبق على اتفاقية مينا قنا، المبرم بين شركة مجهولة الهوية، ومحافظ ليست له أية صلاحية في إبرام اتفاقيات دولية،
اقتصاديا وحتى لو تجاوزنا عن دراسة الجدوى الاقتصادية والقضايا والمتطلبات الفنية التي لم تتم (وهي ضرورية جدا)، فإنه لا بد من وجود هيئة اقتصادية لها صفة
قانونية تشرف على المشروع وقبل ذلك تدرس وتتبرر الموافقة أو الرفض لهذا المشروع، وتقدم دراستها للجهات القانونية.
وأمنيا وعسكريا، وفي ظل التسيب السائد في التعامل مع تهريب الأسلحة والممنوعات، وتهريب النازحين واستقدام الجماعات الإرهابية فإن مشروعا تشرف على إنشائه وتنفيذه وإدارته جهة حزبية وغير مخولة قانونيا ولا خاضعة لأية رقابة حكومية أو برلمانية أو شعبية، مشروع كهذا لن يمثل إلا منفذا إضافيا من منافذ التهريب والفساد والعبث الأمني والسياسي، فضلا عن التدخل لأطراف لها مآرب توسعية في أرض يهيمن عليها مندوبون لتلك الأطراف الدولية والإقليمية التي لا تعمل إلا لعرقلة مساعي التحالف العربي في اليمن شمالاً وجنوباً.
ويبقى السؤال لرئيس الوزراء المكلف:
– هل تعلمون شيئا عن هذه الاتفاقية؟
فإذا كان الجواب بـ”نعم”، فلماذا لم تمرروها عبر الجهات التشريعية المعروفة ومن ثم عبر رئيس الجمهورية للموافقة والتوقيع عليها أو رفضها كما ينص على ذلك دستور الجمهورية اليمنية؟
أما إذا كان الجواب بـ”لا”، فلماذا لا توجهون بتوقيف العمل بها حتى تستكمل دراستها عبر الهيئات المعنية لإقرارها ووضع ما يضمن عدم تحولها إلى أداة من أدوات التدخل في الشأن الداخلي ووسيلة من وسائل التخريب والتهريب؟
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك