كل عام وأنت العفاشي الأول..
حفيد عفاش، وأبو عفاش، منحه الله، مع عمه.. العون في سجون الكهنوت حتى يمُنَّ عليهما بالفرج.
رحل الزعيم.. وبقيت اقدامه وتماسكه وحضوره.
ابن الأرض.. حارس التوجُّه الوطني، الذي نتمسك بإعادة بنائه حتى نلقى الله.
سيخلِّد التاريخ، كيف أنك وصلت أرضاً مفتوحة وحيداً وفي ظرف شهر واحد، كان المكان قد امتلأ بمن استدعيتهم أنت فرداً فرداً.
ولو لم تضع قدمك على الأرض.. لو سوّلت لك نفسك ولو قليلاً من الرغبة في البقاء بعيداً، لما كان هناك شيء يعتد به اليوم.
بدأت مهمتك إعادة بناء قواتك في أقل من أسبوع من مغادرتك صنعاء.
في أول مراسلات بيننا ولم تزل في صنعاء بعد استشهاد الزعيم، قلت لي: أفكر بالبقاء في صنعاء، وقد رتبّت أمنياً مع فريقي.
لكن بعضنا لم يكن ينفذ التوجيهات الصارمة.. كنت تحدد للجميع كيف يستخدمون حتى تلفوناتهم.. وكان البعض يتساهل، فيصلك الخبر أن فلاناً قد اعتقل، وبقيت وحدك تعارك.. حتى غادرت.. وخرجت من بين يدي القتلة الذين يرونك المطلوب الأول، بحيل لا تخطر على بال أدعياء الحرافة، بسيطة وحازمة، وما هو أكثر من ذلك برعاية إلهية..
وبعزم وقرار لم تغيره الهزيمة القاسية بمواصلة القتال.
وانتقلت من عدن إلى أبوظبي ثم الرياض.. وعدت سريعاً إلى “بير أحمد” فيما الحوثي لا يزال يلاحق خيالك في صنعاء.
بدأت ترتب البناء العسكري قبل أن تتحرك إلى شبوة، ولا يزال الناس يتساءلون: هل فعلاً طارق حي.. وبعضهم يسخر من فكرة أن قائد الحرب الذي خذله الجميع، لا يزال يتنفس ويعمل للمواصلة رغم كبر الفاجعة.
من عاش مع الزعيم، لن يكون إلا مثلك، الحياة والموت عنده مجرد لحظات.. الخلود هو للإرادة والفعل، هي فوق حدود الزمن والمكان.
لم تصل أبوظبي والرياض، إلا وقد قرارك جاهز، ذهبت ترتب للعودة، لا لمناقشة الخيارات، وكان ذلك أكبر قرار أكبرته فيك..
حين التقيتك حينها في أبوظبي، وصلت أمس، واليوم تحدثني عن الوقت، تريد العودة.. ولم تكمل أسبوعاً قد جئت وثم عدت، وبدأت الترتيب “وحيداً” لكن تلك الوحدة كانت هي المفتاح.
افترشت الحصى، وأعددت خطتك، وجمعت ثلاثة مساعدين.. ثم كل يوم تصبحون عشرات.. كل يوم تدب الحياة في الفراغ المحيط.. وكل يوم تصل المعدات.. وكل يوم يبدأ التدريب.. سباق مع الزمن..
وبطريقته التى جمعنا بها وهو يلاحق النجاة في قلب صنعاء، جمع قوة في خلال أيام..
طارق، قائد ينحاز لأبسط الطرق.. يتصرف بسجيته، فيحقق ما يريد في زمن قياسي.
منذ عرفته في 2006 وهو منحاز لهذه الطريقة في الإنجاز.. لا يخوض صراعاً كبيراً في اللّف والدوران.. دعوني استطرد، حين زرت بيت والده في قريته بسنحان، رأيت مصدر البساطة كلها هناك.
حدثني كثيراً عن تفاصيل الحياة اليومية.. أب وأم مثاليان في بيئتيهما، دعكم من المناصب.
واحدة من أخطاء السلطة العربية عموماً أنها تحول أصحابها في نظر الناس إلى “قيم سلطة” وليس كمواطنين.. ويتحلق حول الحكام من يمنع تواصلهم هم والناس على طبيعتهم.
ثمة ضرورات أمنية لكن أيضاً ثمة مصالح كبيرة وراء ذلك.. وفي النهاية يكون الخاسر الأول هو الوطن، بالناس والحاكم معاً.
لم يسبق أن كتبت عن “طارق” بشكل شخصي.. وليس المقام لهذا الاستطراد، لكنه يفرض نفسه.
سأوقفه، أريد كتابة خاصة في عيد ميلاد القائد الذي بدأ تدريبه في المخا قبل سنوات، جندياً يشغل عمه رئاسة الدولة ووالده يقود الأمن.. فيما ابنه يتدرب في جبل النار، وحين أصيب رفيق له يسعفه إلى تعز وينام على كرتونة في بوابة المستشفى، وحين جاء الصباح كان الأب يزور جنوده في مشفاهم، جنوده المصابين لا ابنه الذي عليه القيام بواجبه..
قصص كثيرة يمكنها أن تعرف الناس بطبيعة هذه الأسرة العسكرية.. الوطنية.. عائلة تضم عدداً من أبناء البلاد، رجالاً محترمين وعسكريين محترفين.
واليوم، يتولى قيادة قوة عسكرية جمعها هو.. أشرف على استدعائها وتنظيمها وتسليحها..
في الأشهر الأولى، كان يبذل جهداً خرافياً في الفحص.. الجندي وآلات النقل وآلات القتال..
ساعات طوال من العمل الشاق في بيئة شديدة الصعوبة.. وظروف لا يغالبها إلا مقتدر.
وسيأتي وقت تعرض الوثائق المصورة لهذا الجهد الذي بذله يومياً ليلاً ونهاراً.. في مختلف مهام بناء قوة..
كقائد وصديق.. أخوض معه جدالاً كبيراً في كثير من التفاصيل.. نتقاطع لوقت، ولا يخطئ من يقول إني لا أمثله فيما أكتب.. وأنا لا أدعي ذلك أبداً.
بعض الأوقات يرسل لي نقداً لما يراه جانَبَ الصواب، وإن كان في عمل أتولاه حينها فإني التزم بالتوجيه، أما حين أمثل رأيي، فالخلافات في الرأي لا تفسد للود قضية، والنضال ليس ميداناً للتطابق الوهمي.
لدينا وطن، وليست مناصب ووظائف..
ليس لي أي مسمى وظيفي عسكرياً..
أنا فقط مواطن، يعمل ليوم يرى فيه المقاومة الوطنية توجهاً شعبياً عاماً مدنياً.. في الطريق إلى “وطن” مسلوب.
إلى جانب حراس الجمهورية، القوة العسكرية التي تروي تراب الأرض بدمها تحريراً ودفاعاً عن جزء من هذه البلاد..
بانتظار التحرير الأكبر يوم احتفال “صعدة” بسقوط كهنوت الإمامة والعدامة خدام إيران، أعداء اليمن وجيرانها وإخوانها.
وكهذا المواطن.. بهكذا أحلام أقول له، كل عام وأنت بألف خير يا ”طارق محمد عبدالله صالح”، أنت اليوم عنوان جمعي.. للحالمين ببلاد تتخطفها يد إيران يوماً بعد يوم، مصلحتنا كمواطنين لا مناصب لنا أن تنجح في هدفك ومهمتك.
دعكم من صراعات السلطة.. وأخطاء السياسة.. وأحلام الحكم هنا أو هناك.. نحن لا نريد إلا وطناً، وشمالاً فإن نجاح “طارق” بالنسبة لنا هو الطريق لأول خطوات تجاه هذا الوطن.
الأوطان حين تنهار الدولة فيها، لا تعود بالسياسة العامة.. لا تعود بالخطابات.. لا تعود بالهجرة خارجه..
العودة مرهونة بقوة على الأرض.. لها حلفاء محترمون وأصدقاء واثقون، وتوجه يرى للبعيد.. ويقبل بالمراجعات.. ويكترث لأصغر التفاصيل.. ويعيد نفخ الروح عند كل تحدٍ.
وفي “الساحل الغربي” الكثير من ذلك.. وما تبقى علينا جميعاً تحت قيادته أن نناضل ليكتمل..
كل وعام وأنت بخير أخي وصديقي..
القائد الصبور.. المثابر.. الذي وقف على الأرض فأنبتت الأرض حوله ألف إرادة.
اليوم تبدأ عاماً جديداً في عمرك.. في معسكرك.. بين جنودك.. قريب من الجبهة، وفي القلب أحلام وطن.