ظل الأدب شعراً، رواية، بلاغة، مسرحاً مصدراً لإثراء مناهج التفكير السياسي والعلوم الأخرى، وإكسابها الخيال الواسع لاستيعاب قضايا المجتمع. ولم تتطور السياسة على النحو الذي نشهده اليوم في كثير من دول العالم إلا بارتباطها الوثيق بما قدمه الأدب من روائع مستخلصة من واقع المجتمعات وقضاياها المختلفة.
قام الأدب بدور الكاشف لقضايا المجتمع وحاجته، وقامت السياسة بتعميمها ونقلها إلى برامج سياسية، وشكل التشابك بين الاثنين قوة ضاغطة للتغيير. وشهدت أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أوضح علاقة بين الأدب والسياسة، كان الأدب فيها بمثابة الملهم لصياغة مناهج التغيير السياسي التي أطاحت بالأنظمة الدكتاتورية والمستبدة.
وفي محطات تاريخية هيأ الأدب المجتمع وسلحه بالوعي للتفاعل مع دعوات التغيير بالثورة والإصلاح، وكان مع كل دعوة للتغيير يتحول إلى قوة مادية تختزن حاجة الناس إلى حياة أفضل.
ومثلما ألهم فكتور هيجو الثورة الفرنسية في روايته “البؤساء”، وجان جاك روسو صاحب فكرة العقد الاجتماعي في روايته الشهيرة ” جوليا”.. وغيرهم الكثير والكثير.. فقد استعان قائد الثورة الروسية “لينين” بالأدب الروسي الخصب ليستعير منه أهم ما كتبه في مرحلة حرجة من مراحل الثورة، وهو كتاب “خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء” والذي عالج فيه كثيرا من عقبات التغيير السياسي في روسيا إبان الثورة الروسية، وهو عنوان مأخوذ من رواية الكاتب الروائي الروسي الشهير انطوان تشيخوف “المبارزة”، مع تحوير بسيط، حيث يقول تشيخوف صاحب الفكرة “يخطو الناس بحثاً عن الحقيقة خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء. تدفعهم الآلام والأخطاء وملل الحياة إلى الوراء، لكن الشوق إلى الحقيقة والعزيمة الصلبة يدفعهم إلى الأمام قدماً”. لقد كانت الفكرة التي كتبها تشيخوف بمثابة إلهام لوضع منهج سياسي بمخيال اجتماعي مؤثر.
هكذا يسعف الأدب السياسة في أهم محطاتها بفكرة يتم استخلاصها من واقع المجتمع في حركته.
الأدب يخصب حياة الأمم ويؤسس لنهضتها.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك