ارتبط اللواء الركن (يحيى مصلح مهدي) باكراً بالحركة الوطنية بدءاً بالدراسة في جامع المراوعة.
تعرفت عليه في خمسينات القرن الماضي (العشرين الميلادي)، حيث تزاملنا عند الفقيهة (دحمانة) بالمراوعة، كان حينها يافعاً وطالباً مجداً.
انتقل إلى الحديدة ليتلقى التعليم الحديث فدرس حتى الثانوية العامة، ومن ثم التحق بدأب ومثابرة وصبر بالكلية الحربية بصنعاء بعد التحضيرية.
كان قريباً جداً من كبار الضباط الذين اشتركوا واضطلعوا بدور في حركة (١٩٤٨م) امثال الشهيد (قاسم الثور) والعميد (عبدالله الضبي) والمشير (عبدالله السلال)، قائد الثورة اليمنية سبتمبر (١٩٦٢م).
حينها كان ذكاء الطالب (يحيى مصلح) ونباهته وشجاعته في الصدع بالحق تلفت الانتباه.
و له في ذلك مواقف كثيرة، سيلاحظه القارئ في هذه المذاكرات، ولعل أبرزها وأكبر دليل على موقفه في تهدئة المواجهة في (الفوقر _ قضية الزرانيق) لولا ان اطرافا مؤثرة كانت لها مصالح في قطع الطريق على الحل اللادموي.
و اشتهر (يحيى مصلح) بكفاءته الادارية فيما أن بعض الضباط من المناضلين لم يوفقوا عندما أسندت اليهم مهمات ادارية، ونلحظ ذلك من خلال توليه عدة مناصب منها، عندما تولى مسئولية وزارة التموين وبعدها محافظا للواء ذمار فلواء اب، فلواء صنعاء والامانة، فلواء صعدة، ثم محافظا للواء ذمار مرة ثانية مثلا، وكان قدوة لرجل الدولة النظيف والحازم رغم انه قبل ذلك كله كان مناصلاً ومحارباً ومدافعاً عن الثورة والنظام الجمهوري.
وعندما أصبح في مجلس الشورى ثم في مجلس النواب قبل وبعد الوحدة في ال (٢٢) من مايو (١٩٩٠م)..كان صوته مجلجلاً، ومن أعلا الاصوات الناقدة والجريئة وقد تعرض لمشاكل جمة بسبب صدقه وصراحته.
ابتدأ اللواء الركن (يحيى مصلح) التفكير في جمع وتدوين مذكراته مبكراً وقد بدأ في اوئل الثمانينات.. حيث سجل بعض جوانب حياته خصوصاً دوره في الثورة، وتحديداً في حجة التي كان واحداً من قياداتها الثورية.و قد نشر جانبا منها في مجلة (دراسات يمنية).
إن الاهتمام بالتدوين لواقع واحداث الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر امر على جانب من الاهمية، وقد صدرت العديد من الكتب لبعض رجال الثورة، وقد اشار استاذنا الدكتور (عبدالعزيز المقالح) إلى بعضها في كتاب صدر عن مركز الدراسات والبحوث اليمني.
تصفحت ذلك الكتاب الضخم أو بالأحرى بعض فصوله ورأيت ان مجهوداً كبيرا قد بذل في تتبع الاحداث والواقع فهو يعطي صورة جليه لاحداث فترة زاهية ومجيدة في تاريخنا المعاصر.
ويقينا فإن اللواء الركن (يحيى مصلح) واحد من صناع هذه التجربة الرائعة واحد شهودها الاحياء.
ومذكراته تضيف _و لا شك_ الكثير، ولعل الميزة الحقيقية لهذه المذكرات ولصاحبها المناضل (يحيى مصلح) انها تكشف جوانب لم يسبق ان تطرق اليها احد قبله.
فالثورة اليمنية سبتمبر (١٩٦٢م) قد شارك فيها الوان طيف سياسي ومجتمعي مختلف ومتباين.
ويستطيع كل واحد من الضباط الاحرار سواء الضباط الكبار امثال المشير (عبدالله السلال) و(حمود الجايفي)، و(عبدالله الضبي)، و(قاسم الثور) وغيرهم ان تبوؤوا مكانة مرموقة في هذا السياق باعتبار انهم قد ظلوا على صلة وتواصل بالحركة الوطنية.
وتستطيع البقية منهم ومن ضباط بعثة (١٩٤٧ م) _بعثة الاربعين _ ومنهم: (عبداللطيف ضيف الله)، و(عبدالله قايد جزيلان) ان يضيفا الكثير، فقد كانا في الصف الاول للثورة.
واللواء الركن (يحيى مصلح) _المناضل _ لم يكن بعيدا عن بعض رجال الصف الاول الذي اكتسب مكانة ليس فقط من الابوة الروحية فحسب وانما _ايضا _بالتواصل والنضال مع الاجيال الجديدة والشابة من الضباط الاحرار، وشباب الحركة من مختلف التيارات السياسية.
فتحية للمناضل (يحيى مصلح)، وتحيه لدوره المشهود.
شكراً لتقديمه إضافة توثيقية جديدة رافدا مهما للتوثيق للحدث العظيم.. يوم السادس والعشرين من سبتمبر المجيد.
* من مقدمة الكاتب لمذكرات الفقيد الراحل يحيى مصلح مهدي “شاهد على الحركة الوطنية سيرته ونضاله”.