يصادف اليوم الأحد 13 ديسمبر مرور سنتين على اتفاق استوكهولم الذي تم برعاية الأمم المتحدة ودولة السويد ودول أوروبية أخرى، والذي قضى بوقف زحف القوات الحكومية التي كانت على مشارف مدينة الحديدة، وعلى وشك استعادتها من أيدي المليشيات الحوثية ومعها الموانئ الثلاثة، مقابل أن تنسحب المليشيات الحوثية منها.
لقد فهم من ترتيبات الانسحاب أن هذه الخطوة، التي تعهدتها الأمم المتحدة ومعها المجتمع الدولي بالرعاية، على أنها ستكون الخطوة الأولى والنموذجية لتطبيق خطوات السلام وفقاً للمرجعيات الثلاث وقرارات المجتمع الدولي، وخاصة القرار 2216.
عندما كان الحوثيون حينذاك في مأزق فقد تصرفوا، عملاً بما تعودوه من مراوغة، عبر مسلكين، الأول التهديد بتفجير الموانئ وأرصفتها ووضعوا المدينة رهينة تحت كتلة من القذائف والأسلحة الثقيلة المدفعية والصاروخية والمفخخات غير مبالين بسكانها، أما هم فقد بدأوا بمغادرتها. وتمثل المسلك الثاني في القبول المطلق بالانسحاب والموافقة على الترتيبات التي وضعتها الأمم المتحدة.
لم يشمل الاتفاق أي ضمانات بالتنفيذ الجاد له، فقد غطى ضجيج إعلامي واسع على عيوب الاتفاق، وهو ما تبين بعد ذلك حينما أقدم الحوثيون على القيام بتلك المسرحية الهزلية التي سلموا فيها الميناء لأنفسهم بصورة عبرت عن سخريتهم من السلام ومن المجتمع الدولي ومن الشعب اليمني الذي أخذ تلك الخطوة بقدر من الاهتمام والترقب اللذين يجسدان رغبته في إنهاء الحرب وتحقيق السلام. لقد سخر الحوثي من الجميع وحول هذا الاتفاق إلى محطة أعاد فيها ترتيب أوراقه.
كان واضحاً منذ بداية الامر أن جبهة الساحل الغربي، التي امتدت من عدن مروراً بالمخا حتى الحديدة، قد شكلت حجر الزاوية في المواجهة الحاسمة مع المليشيات الحوثية، وكانت عنصر القوة في معادلة المعركة على الارض بما توفره من شروط سياسية واستراتيجية للحكومة الشرعية. وهذا ما تم التنبيه له منذ أن طرحت مسألة المفاوضات التي استهدفت هذه الجبهة بمعزل عن مكونات القضية الأخرى وجبهات المعركة التي يتفوق فيها الحوثيون. لقد كان من الضروري ربط الاتفاق في هذا الجبهة بترتيبات مماثلة في جبهات أخرى، لكن الأمور سارت على غير ما يتوخاه العقل الاستراتيجي في مثل هذه الظروف من قراءة لمتغيرات المعركة.
في هذه الظروف، لا أحد يتنازل عن عنصر قوته في المعادلة بدون أن يشكل ذلك شرطاً لتغيير عناصر المعادلة بالكامل. نعرف أن الضغوط كانت كبيرة على الحكومة، وسارت الأمور بحسابات لا يدعمها أي منطق سياسي أو عسكري أو تاريخي عدا ما وفره الضجيج الاعلامي من مخاوف مما قد تتعرض له تلك المنطقة من كوارث انسانية.
كان كسر الانقلاب الحوثي في هذه المنطقة ضرورة حيوية لإنهاء الحرب، وتجنيب اليمن المزيد من كوارث استمرارها وهو ما أكدته الأحداث اللاحقة باستمرار الحرب على نحو أسوأ.
بعد ذلك لم يلتفت العالم إلى الكوارث الانسانية التي تعرضت لها مناطق كثيرة من اليمن بعد أن أمن الحوثيون بهذا الاتفاق الأممي هذه الجبهة، التي كانت تستنزف معظم قوتهم، وتفرغوا لقمع الجيوب المقاومة لهم في مناطق كثيرة من الأرض التي تقع تحت سيطرتهم: حجور، ووادي بنا، والعود، ودمت، والبيضاء، ومكيراس واتجهوا جنوباً نحو الضالع شرقاً نحو نهم والجوف واخذوا يطرقون أبواب مارب.
وفي حين أخذت مكونات المقاومة في جبهة الحديدة تتكسر بحسابات سياسية مختلة العناوين والانتماء والأهداف فإن المليشيات الحوثية تفتح في هذه الجبهة باباً واسعاً لمواجهة إقليمية تكرس من خلالها نفوذاً لإيران في أهم منطقة ظلت عنصراً حيوياً لليمن في العلاقات الدولية والإقليمية.
بعد سنتين من محاولة تحقيق نموذج للسلام خسرت فيه الحكومة أهم عناصر قوتها وما ترتب عليه من تداعيات عسكرية كبيرة في مختلف الجبهات، يكون من الضروري التفكير بجدية في تكوين عنصر قوة حقيقي يضمن الدفع بعملية السلام إلى الأمام. فعندما تختل المعادلة على الأرض يصبح الحديث عن السلام ضرباً من الوهم والمغالطة، شروط السلام الحقيقي هي أن تكسر المعتدي في أهم مفاصله وتسحب منه المبادرة.
هل سيكون اتفاق الرياض، خطوة على هذا الطريق؟ هذا ما تتجه إليه الأنظار، وربما كانت الورقة الأخيرة في معادلة تعقدت بمجاهيلها الكثيرة.
وهنا لا بد من،
تغيير خط السير،
أو تغيير حل المسألة.
*من صفحة الكاتب على الفيس بوك