منذ نحو أسبوع، وربما أكثر، ومع اقتراب موعد إعلان الحكومة الجديدة (إن تم إعلانها فعلاً)، بدأت حملة الترويج للوزراء، وتنامت خلال اليومين المنصرمين اللذين قرأت فيهما أكثر من خمسة منشورات بعضها لكتاب وناشطين يفترض أنهم معتبرون أحدهم كتب حلقتين وقد يواصل في الترويج لأحد الوزراء، وآخر كتب ما فحواه كيف يكون الوطن بدون الوزير الفلاني، ورابع يدعو فخامة الرئيس إلى ألاّ ينسى الوزير الفلاني، وخامس يقول إن الوزير الفلاني أفنى عمره في خدمة الوزارة.
علما بأن كل فترة خدمة معظم هؤلاء لا تتجاوز ست سنوات هي سنوات الحرب ما بعد الانقلاب، وبعضهم أقل من ذلك، وكلهم قضوا معظم أيام خدمتهم إن لم تكن كلها في المهجر المبارك.
لا ألوم (الكتاب) فهم مجرد مأمورين ، لكنني أتعجب كيف لوزير يفترض أنه كان في مهمة وطنية، أن يقبل على نفسه أن يقدم نفسه للمنصب وكأنه بضاعة يبحث صاحبها عن مشتر، تماما كما يفعل أصحاب البضائع التي يقدمونها للأسواق المعروفة بـ”الحراج”، حيث يقوم (المحرِّج) بتعداد أفضلياتها ومحاسنها وجودتها ويخترع من عنده مزايا وصفات ليست موجودة في البضاعة، فيقول مثلا: “هذه الخلاطة تطحن كل شيء حتى الحديد” أو “هذه البدلة يمكن السير بها حتى على النار” والمهم هو “تدبيس” المشتري الذي سيدفع الثمن وبعدها فليذهب إلى الجحيم، أو كما يقول الإخوة المصريون “يتنيل بستين نيله”.
أحد الطامحين للعودة إلى تبوء أي منصب لم يجد من “يحرِّج” به، ففضل أن يقدم نفسه كحريص على حزبه، وراح يتباكى ويشكو من الضغط الذي يتعرض له حزبه، مع ان عمر عضويته في هذا الحزب، لا يساوي ثلث عمر أحد الأعضاء العاديين، دعك من القادة والمؤسسين الذين أخذ الله بعضهم.
قديما قال الفقهاء: “طالب الولاية لا يولى”، فما بالنا بمن يستأجر مروجين يخترعون له مزايا منتحلة ويكتبون له تاريخا مزيفا، ويقدمونه على أن الوطن سيصاب بكارثة إذا ما غادر منصبة!!
مع أن بعضهم لم تأت الكوارث إلا متلازمة مع انخراطهم في لعبة السياسة.
ما هذا؟
ما الذي يجري في عالم السياسة والإعلام في هذا البلد المنكوب بساسته؟
هل بلغ الاستهتار بعقول الناس، ومنهم صانع القرار هذا المستوى من الازدراء والاحتقار؟
وهل نسي هؤلاء أن المواطنين لهم ذاكرة حية يحكمون على كل فرد من تاريخه ومن سلوكه ومما أنجزه للوطن ومن احترامه للناس، الذين هم الشعب، وليس من الدعايات الكاذبة والترويجات المجافية لكل حقيقة؟
وحتى لو افترضنا أن من بين هؤلاء من يتصف ببعض أو كل الصفات التي يقولها عنه “المحرِّجون”، أليس من حقه أن يذهب إلى التقاعد واليس من حق الناس أن يروا غيره الذي قد يكون أفضل منه في هذا الموقع؟
من الواضح ان السياسة قد بلغت في هذا البلد هبوطا لم تعرفه حتى تجارة المهربات والممنوعات في أفضل مراحل ازدهارها، مما يجعل الأمل في بقاء شرفاء أو ظهور زاهدين في المنصب أمراً خارج أي احتمال أو افتراض.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك