21 سبتمبر.. النكبة والمأساة.
في 21 سبتمبر 2014 وفي الوقت الذي كان حسين العزي ومهدي المشاط القياديان في جماعة الحوثي في القصر الجمهوري يوقعان على اتفاق السلم والشراكة مع ممثلي بقية القوى السياسية اليمنية كان حوثيون آخرون يقصفون مبنى التلفزيون ومنشآت عسكرية في العاصمة صنعاء ويقومون بنقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة من معسكرات الدولة في صنعاء إلى معسكرات الجماعة في عمران وصعدة, ويفرضون حصاراً محكماً على كافة مؤسسات الدولة.
أراد الرئيس عبدربه منصور هادي احتواء الأزمة، وحاول سد ذرائع المليشيا بالموافقة على مطالبها المعلنة، وفي الواقع جملة المواقف والقرارات التي اتخذها الرئيس هادي في تلك الفترة كانت متوازية ومتداخلة لتعكس إرادته في تحريك الأمور في سياق إنقاذي، إلا أن المليشيا الانقلابية عادت وانقلبت على الاتفاق الذي كانت قد فرضته على القوى السياسية وانقضت على ما تبقى من مؤسسات الدولة ثم مضت في خطوة أحادية للإعلان عن لجنة ثورية ليصبح الانقلاب مكتمل الأركان ثم تقاسموا المناصب والأموال، وأوفدت مندوبيها إلى إيران ليعلن بعدها مسؤول إيراني عن سقوط العاصمة الرابعة بأيديهم، وجرى بعد ذلك تسيير رحلات جوية يومية إلى صنعاء وصعدة وبدأوا بحكم البلاد وفق نزعتهم السلالية وولاءاتهم الطائفية، وواصلت المليشيات عدوانها على اليمنيين باحتلال المدن ونهب أسلحة المعسكرات، فسقطت الدولة وسقط الجميع أخلاقيا وإنسانياً، وانتقلنا إلى فصل آخر من فصول المأساة.. فصل العصابات!!
حيث لا رئيس ولا أمن ولا جيش، ومن يحكم هو ذاك الذي يعطي الأوامر التي لا يمكن أن يتجاوزها أحد، وعلى الجميع العمل والالتزام بها دون اعتراض.
كانت السفارة الأمريكية هي أولى السفارات التي غادرت صنعاء، والسبب بالطبع أن الولايات المتحدة تفاجأت ولم تتفاجأ في الوقت ذاته؛ فهي تفاجأت بسرعة سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة، ولم تتفاجأ بتطورات الأزمة لأنها تعرف أن الجماعة التي سيطرت بقوة السلاح لن تنسحب باتفاق سياسي، فقررت مغادرة صنعاء وبشكل نهائي.
إلى ذلك الحين، وبعض قيادات الأحزاب والهيئات المدنية تبارك الانقلاب فقد كانت الصورة مشوشة لدى الكثير وكان الشعب اليمني لا يزال مأخوذاً بمثيرات التحولات وتجربة الثورة السلمية الشعبية في 2011م.
مشكلتنا وبحكم التخلف في الوعي السياسي، أننا لم نستطع الحفاظ على الدولة وما هذا الجحيم الذي نعيشه اليوم إلا نتيجة السكوت والتصفيق للانقلاب من قبل قادة في الأحزاب السياسية وشخصيات عامة تعاني من الأمية السياسية والجهل وسوء التقدير، فكانوا أول ضحية للحاكم الفرد الذي لا يؤمن بالديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان وتحركه شهوة المال والسلطة.
إن العلة التي تنبثق منها كل العلل تكمن في النزعة التسلطية التي تعشعش في عقل الحوثي وهي نفس النزعة التي حكم بها النظام الإمامي اليمن عشرات السنين وبالتالي لا يمكن لمن يدعي الحق الإلهي بالحكم أن يرضى بحل سياسي يعيده وجماعته إلى حجمهم الطبيعي! لذلك فكل الاتفاقات التي يوقعها الحوثي مجرد مناورة لا تستند إلى نية حقيقية بالتنفيذ، فهو لن يقبل بالانسحاب ولا تسليم السلاح لطرف ثالث ولا يأبه إلا لمصالحه الضيقة فقط ولا يهمه معاناة الناس من الجوع والمرض طالما أنه وأتباعه يستأثرون بالأموال التي يجنونها من الضرائب والجمارك والجبايات والمجهود الحربي وما تبقى من المؤسسات الإيرادية.
كان لا بد أن تتخذ السلطة الشرعية قراراً ينهي حالة الفوضى التي أنتجها الانقلاب وتفتح أمام اليمنيين نافذة أمل بالخلاص، بعد أن كانوا قد استسلموا لأزمة وجودهم، فاستعانت بالأشقاء من دول الجوار لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة ودحر العدوان الحوثي بمساندة وتأييد كافة القوى السياسية والشعبية من منطلق عقيدة وطنية راسخة ترفض حكم العصابات وتؤمن بوجوب مقاومة المليشيات الانقلابية في سبيل عودة الدولة فلا مجال لتجريب المجرب، ولو عادت الأيام إلى الوراء لوقف الشعب كل الشعب مع الدولة في مجابهة الانقلاب الحوثي في بدايته، فما يثير حفائظ الناس اليوم أنه كان على الدولة في حينه أن تطبق الوسائل القانونية والدستورية لحماية الشعب ومرافق البلاد، وحسم الفتنة بقوة القانون بمجرد فشل الوساطات الداخلية والخارجية، بدلاً من انتهاج الوسائل السلمية التي آثرتها الدولة على غيرها، رغبة منها في تجنيب الشعب المزيد من العنف وإراقة الدماء، وتمسكت بها حتى النهاية رغم وطأة القصف والحصار الذي طال المؤسسات والمدن وإمعان المليشيا في التخريب على جميع الأصعدة.
لا أحد يستطيع التعايش مع المليشيا وما فعله الحوثيون بالرئيس السابق علي عبدالله صالح وأعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام سيظل حدثاً جللاً محفوظاً في ذاكرة الأجيال عن ممارسة الإماميين الجدد وطغيانهم وصلفهم وغدرهم إلى الأبد.