حينما ينعدم المشروع وتحكم الأهواء ويتجرد الفرد والجماعة من روابط الوطنية ومن مشروع الدولة، ويحتكم لأيدلوجية آتية من قعر فكر يرى كل من عارضه الفكرة والوسيلة مشروع مقتول أو مخفى أو مهجر عن وطنه ليكن أحد أوحد في الحكم والمسيطر المتفرد بالسلطة والثروة.. هنا تكون المصيبة وتسود الكارثة كل مناحي الحياة..
التاريخ لا يرحم ولم يرحم حتى الحركات اليسارية الوطنية التي حاولت الاستفراد بالحكم وإقصاء الآخرين وما زال إلى الآن التاريخ يجلد بسياطه حركات ثورية يسارية كثيرة استخدمت اسلوب الإقصاء ظنا منها أنها بذلك تساعد على بناء بلد ديمقراطي حديث، ومنها على سبيل المثال لا الحصر حركة الخمير الحمر الكمبودية والتي اعتبرها اليساريون لعنة حلت على اليسار لتشويه هذا النهج الديمقراطي المناضل من اجل حرية الشعوب وطبقة البلوتاريا والتي لا يزال وسيظل اليسار يكافح من أجل حرية الشعوب وتقدمها الاجتماعي ما بقي في الأرض فقراء ومعدمون..
لم يستفد اليمين المتطرف غير الممتلك مشروعا ولا رؤية من تجارب اليسار في الإقصاء، بل زاد الطين بلة في أن جعل من هذه التجارب مدعاة لزيادته في القمع والإرهاب والتنكيل بالخصوم ومن يشتبه أنهم خصوم غير، واع ولا مدرك ان هذا سينقلب عليه وابلا من نقمة شعب وزيادة في المقت لهذا الفكر المتعصب المقيت، وكان اليمين المتطرف الإسلامي سباقا بل ومحتل الصدارة في هذا المضمار منذ بداياته الاولى وهو يجتر هذا المنسوب الدموي على مر الحقب المتوالية منذ إنشائه تحت مسمى (الإخوان المسلمين) وقد كان اول تطبيق عملي لهذا الفكر المبني على الاقصاء للاخر بغض النظر عن الوسيلة، هي حادثة اغتيال الخازندار ثم تلتها اغتيال النقراشي باشا وكلتاهما كانت بداية هذا الفكر الدموي القائم على القتل للمعارض وان اختلفت الطريقة، فطريقة الإقصاء هي إحدى طرق التمكين لهذه الجماعة، حسب الفكر المتخلف الذي يحملونه، وهو تماما ما قامت به جبهة الإنقاذ في السودان التي تزعمها حسن البشير بعد الانقلاب الدموي على الرئيس السابق حيث تلت هذا الانقلاب اخفاءات قسرية واغتيالات لقيادات وطنية وحكم ديكتاتوري عفن ادى في نهاية المطاف إلى ازمات مجتمعية وحرب عرقية وانفصام عروة السودان وتقسيمه وجعله بلدا في مصاف البلدان المتأخرة، رغم ما يمتلكه من ثروات بشرية وطبيعية وزراعية كانت قادرة ان تجعله في مقدمة الدول الانتاجية عالميا، ولهذا كان المقت الشعبي لهذا التيار الارهابي كبيرا فاقتلعه من جذوره، وظهرت اخيرا مناقشات هذه الجماعة الإرهابية وفضائحهم بعد ان اودعوا السجون لمحاكمتهم شعبيا وقانونيا، وها هي اليوم السودان تستعيد بعضا من ما هو لها من استقرار وبداية البناء..
غير بعيد عنا ما حصل في مصر العروبة، فما ان وصل الإخوان إلى كرسي حكمها إلا وبدؤوا في مجزرة بشعة لكل المؤسسات السيادية فيها ومنها مؤسسة القضاء والجيش والداخلية، بل إن نائب المرشد الأعلى للإخوان خيرت الشاطر وباستغلال نفوذه في الوزارات استطاع ان يجبر الكثير من الشركات العملاقة في مصر على اعلان افلاسها وقام بشرائها ليستحوذ مع التنظيم الدولي للإخوان على غالبية الاقتصاد المصري، وكان احد شركائه الإخواني اليمني حميد الأحمر، ومع هذا كله لم يستطع الإخوان بسياسة التمكين لجم جماح الشعب المصري الذي خرج بكل اطيافه وطوائفه وطبقاته الاجتماعية وبمؤازرة الجيش للاطاحة بهذا الخبث الجاثم على صدورهم.. وكانت المعجزة.
من هنا كان هذا التنظيم الإرهابي أكثر غباءً فهو ما زال يصر على تلك الطريقة المقيتة في إقصاء الآخر بالقتل والاخفاء والتهجير، وهو ما يمارسه حزب الإصلاح (إخوان اليمن) طيلة الفترة السابقة وما زال عبر مليشياته المسلحة التي انتبه اليها ابناء المحافظات الجنوبية واجتثوا سرطانه قبل ان يمتد، بينما لم يدرك ابناء تعز هذا مبكرا ليتمكن هذا التنظيم وخلال السنوات الست الماضية من التوغل بتوحش في كل مفاصل تعز الامنية والعسكرية والمدنية ولتكن مليشياته التي يستخدمها للقمع والارهاب والقتل والاخفاء هي اليد الطولى في المشهد التعزي الحزين.
استطاع هذا التنظيم وعبر استخدامه لكل الطرق المقيتة أن يزيح عن المشهد كافة القيادات الوطنية اما اغتيالا كما فعل مع الشهيد العميد ركن عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع، ورضوان العديني وابو الصدوق والكثير الكثير من القيادات العسكرية، أو بالتهجير كما فعل مع الدكتور امين محمود محافظ محافظة تعز الاكثر شعبية والاكثر وطنية لتعز، أو مع الشيخ عادل عبده فارع (ابوالعباس) وكتائبه التي حررت على ايديهم وابطال اللواء 35 مدرع غالبية تعز ان لم نقل كلها..
هذه السياسة الإخوانية المفتقدة للمشروع والوطنية نجحت فعليا في مآربها في جعل تعز فقاسة ارهابية وامارة داعشية تشكل خطرا على الاقليم والمجتمع، وذلك بمساعدة مباشرة وقوية من مؤسسة الرئاسة اليمنية التي يعيش رئيسها فترة البيات الشتوي غ