إجراءات التشكيل الحكومي طيبة، وهناك انفراجة واضحة بهذا الخصوص في اليومين الماضيين، بعد أن تعثر التشكيل شهوراً طويلة لأسباب أغلبها متعلق بتوافق المكونات وتوزيع الحصص واختيار الأسماء، والعرقلة التي تسبب بها تخفيض عدد الوزراء إلى 24 وزيراً وفقا لاتفاق الرياض، ما يعني خروج ما يقرب من ثمانية مناصب على الأقل ما بين حقيبة ووزير دولة.
وفي كل الأحوال، أثبتت السنة التي ظلت فيها البلاد بلا حكومة أن وجود الحكومة على علاتها، أفضل بما لا يقاس من عدم وجودها، ولقد كانت الانفراجة الأولى بقرار الرئيس عبدربه منصور هادي تكليف الدكتور معين عبدالملك سعيد بتشكيل الحكومة، بعد محاولات محمومة لاستبعاده من التكليف، من قبل مراكز قوى تضررت مصالحها بسبب بعض سياساته التي لم توافق أهواءها.
ورغم هذه الانفراجة إلا أن كواليس التشكيل الحكومي ما تزال تشهد ضغوطات غريبة لاستبعاد أسماء بعينها بدون مبررات وجيهة، ونلاحظ كيف أن حرب التسريبات والاتهامات تشتعل قبيل كل تشكيل حكومي. والعديد من المواقع الإخبارية التابعة لمراكز قوى، تقوم بتشكيل حكومة من تلقاء نفسها، أملاً بالتأثير على مجريات التشكيل وبما يخلق نوعاً من البلبلة في الوسط السياسي.
وقبيل التشكيل، ينبغي علينا كمواطنين، ألا نستبق التشكيل بالتشكيك بقدرة الحكومة القادمة على إنجاز مهامها، وعلى درجة الانسجام بين أعضائها. على أن من اللازم المطالبة بألا تظل الحكومة أو حتى جزء منها، خارج حدود الجمهورية، لأن مباشرة الوزراء مهامهم من داخل الوطن، يعني الالتصاق المباشر بهموم الناس، وطالما هناك شبر محرر من تراب الوطن فعلى الحكومة أن تعود للعمل في ذلك الشبر.
وبالنسبة لي أثق بقدرات رئيس الوزراء وعدم تحيزه لأي مكون من مكونات الحكومة المقبلة، وحسه الإداري الذي يضع الاقتصاد على أولويات اهتمامه، بما في ذلك تسليم مرتبات الموظفين في جميع مناطق البلاد بما فيها الواقعة تحت سيطرة المليشيا، وهي القضية التي لو أنجزتها الحكومة فإنها قد وفرت على البلد سنوات من الصراع العسكري واختصرت المسافة إلى يوم الخلاص المنشود.
وفي هذا السياق، من اللازم التذكير، على أننا في معركة تستلتزم أدوات سبتمبرية لديها رصيد في مواجهة المشروع الإمامي، وإذا صحت المعلومات التي تقول إن هناك من يعترض على وجود اسم عثمان مجلي في التشكيل القادم، فهذا غريب للغاية، ولا يمكن تفسيره إلا أنه يقع ضمن دائرة المماحكات التي لا تخدم البلد.
لا معركة بغير سبتمبر، ولا نصر بغير صعدة، ولا يوجد من يمثل صعدة مثل عثمان مجلي المناضل الجمهوري (نجل المناضل السبتمبري حسين فايد مجلي)، والرجل الذي قدم أداء حكومياً يتسم بالشفافية العالية والصراحة التي وصلت أحياناً حد القسوة، وهذا حسب تقديري ما يدفع البعض لمحاولة استبعاده من التشكيل القادم، لكونه لا يجامل أحداً، وهذا بالأحرى يحسب له وليس عليه.
والمسألة في النهاية ليست أشخاصاً، لكن الإصرار من قبل بعض مراكز القوى، على استبعاد أسماء بعينها لها وزنها السياسي والقبلي والعسكري، يبدو وكأنه نوع من العداء الشخصي، ولو تم استبعاد مجلي أو غيره لأسباب موضوعية أدائية، لكان ذلك مقبولاً بل ومطلوبا.
ونأتي للنقطة الأهم بنظري، وهي وزارة الاتصالات، التي من غير المعقول ولا المقبول ألا يحدث فيها تغيير في منصب الوزير، بعد كل الفشل الذي شهد به القاصي والداني.
ولابد أن يدرك الوزراء أن صورة الشرعية في أسوأ حالاتها وأن قطاعا كبيرا من المواطنين فقدوا ثقتهم في قدرتها على قيادة المرحلة نحو شاطئ الأمان، وأن أمامهم فرصة لا تعوض لترميم هذه الصورة بالعمل الجاد والتواجد داخل البلاد، وترك المناكفات الحزبية والمناطقية، وبناء مؤسسات الدولة وصيانة المال العام وعدم الرضوخ لأية ضغوط تمس استقلالية القرار اليمني، ومعالجة الاختلالات الجسيمة التي صبت في مصلحة مليشيا الكهنوت.
مطلوب أن يدرك الوزراء الجدد أنهم موظفون لدى المواطن، وأن المنصب تكليف لا تشريف، وأن عليهم أن يخدموا المواطن وأن يقوموا بدور ملموس في حلحلة مشاكل كبيرة نشأت على عاتق الحرب الحوثية التي تدهورت معها كل مناحي المعيشة، وعلى رأسها المرتبات كما اسلفنا، إضافة إلى إعادة العافية للريال، وإيجاد حلول عاجلة لمسألة وجود سعرين مختلفين للعملة الوطنية والتي يتحمل المواطن عبئها، وفرض وجود الحكومة في كافة الأراضي المحررة، وكذلك اتخاذ إجراءات داخلية وخارجية من شأنها الحد من عملية التجريف الذي يقوم به الحوثيون في المناهج وقطاع التعليم عموماً.
هذا بالإضافة إلى ضرورة ضبط آلية تسليم المرتبات للجنود الذين يبذلون أرواحهم في ميادين الشرف والبطولة، وتفعيل وزارة الإدارة المحلية بما يؤدي إلى تفعيل المجالس المحلية، لأن الحكومة في حقيقة الأمر، هي عبارة عن كهرباء ومدرسة ومستوصف وطريق ومرتب وأمن، وبغير ذلك فهي لا شيء.
نحن اليوم نستبشر وسنكون رقباء على الأداء ولن نسكت عن أي تقصير من أيٍّ كان. وبالتوفيق.