عائلة يمنية فقدت طفلين.. وخسرت يد الثالث برصاص الحوثي
قبائل اليمن – البيان – علي جعبور
بعد عامين من التشرد والنزوح اشتاق أسامة محمد مدني (16 عاماً) إلى قريته الساحلية «منظر» الواقعة جنوب مدينة الحديدة، فقرر العودة إليها رغم علمه بخطر البقاء فيها حيث لا تزال ميليشيا الحوثي تستهدفها بين حين وآخر بقذائف الهاون ورصاص الرشاشات.
وصل أسامة إلى مسقط رأسه ومرتع طفولته الأولى، فبدت له قرية منظر بمنظر آخر غير الذي عهده، كانت آثار قذائف ورصاص الميليشيا الحوثية بادية فوق كل جدار مثل ندوب وجراح غائرة في جسد مثخن يوشك على السقوط، وكان بيته قد ناله جزء من الدمار والخراب الذي صنعته آلة الحوثي الإرهابية.
كان الوقت مساء عيد الأضحى الماضي وقد أراد أسامة أن يستعيد ذكريات أعياد قريته المسلوبة منه عنوة، وكانت أسرته النازحة في مدينة الحديدة تنتظر أن يبشرها بأخبار مطمئنة، فقد ضاق بهم الحال وتفرق عنهم الأهل وصعبت عليهم الحياة تحت رحمة ميليشيا لا تعرف معنى للرحمة، وكان أسامة بدوره يترقب شروق شمس العيد الذي حرم منه لعامين، نام في باحة بيته مع أصدقائه الذين جاءوا برفقته، وفي الصباح الباكر نهض مثلما كان يفعل سابقاً، غسل وجهه وانتظر الفطور، وكان ثمة إطلاق نار متفرق يسمع من ناحية مناطق تمركز الميليشيا على مشارف القرية، ما يفتأ يزداد، وبعد لحظات كانت القرية كلها تحت وابل رصاص الحوثيين.
شعر أسامة فجأة بخدر في ذراعه اليمنى أثناء انفجار طلق ناري اخترق كف يده، ولاحظ وجود أصبعين مبتورين ترتعشان فوق الأرض الدامية، كانت تلك أصبعي يده قبل لحظات، لكن رصاصة ميليشيا الحوثي فصلتها عن جسده إلى الأبد.
يسرد أسامة قصته لـ«البيان» بحسرة وأسى بالغين، ويضيف: «جاءت سيارة تتبع المقاومة المشتركة، وأسعفوني فوراً للمستشفى الميداني بالدريهمي ثم نقلت إلى المخا، وبعد إجراء العمليات أصبحت يدي اليمنى شبه مشلولة والآن أضطر للعمل بيد واحدة.
فجيعة الأسرة..
كان والد أسامة ووالدته ينتظران اتصاله ليسألاه عن فرحة العيد في القرية، لكنهما تفاجآ بصوت آخر يأتي من هاتفه غير صوته يخبرهما بما حل به ويطمئنهما على حياته.
توضح حفصة يحيى، والدة أسامة، في حديثها لـ«البيان» كيف تلقت خبر إصابة فلذة كبدها ليتحول عيدها إلى يوم حزين ومأساوي. وتضيف: ظللت منهارة أبكي طيلة اليوم ولم أسمع عن العيد أو أهنأ به.. ليس لدي أحد غير أسامة، كنت قد فقدت اثنين من إخوته قبل الحرب، أخذهما الله إليه، وبقي لي أسامة، يسندني وأسنده، لكنني كلما رأيته الآن يجلس معاقاً بيد معطوبة، يغلبني الألم والحزن على حاله.
شردتنا الميليشيا من قريتنا، خرجنا منها هاربين، تركنا الجمل بما حمل، ولم نأخذ معنا سوى ملابسنا التي فوقنا وكان قصف الحوثي ينهال علينا من كل اتجاه وقد رأينا الناس موتى وجرحى.
وبعد سنتين من التشرد أرسلنا أسامة إلى القرية ليتأكد من إمكانية عودتنا لكنه عاد إلينا على غير الحال التي ذهب بها.
تواصل الحديث والغصة تحشرج بحلقها: تعبنا.. تعبنا.. كل ما نتمناه أن نعود إلى بيوتنا بأمن وأمان، لا نريد منهم شيئاً سوى هذا.
يكفينا قصف.. أولادنا ماتوا، إخوتنا هلكوا، بيوتنا دمرت، لم يبق لنا أحد، لم يعد في كل بيت سوى شخصين أو ثلاثة، الغبن مضاعف والناس تعاني من التعب والأوبئة، فليخف الحوثيون الله فينا وفي أولادنا.