ثورة 14 أكتوبر – ذاكرة فنية (فقط)
عادل الأحمدي
كان يوماً من الدهرِ
لكنه لم يكن في دمی مشهداً مشهدا
كان حقلاً من الزهرِ
لكنني لم أكن موردا
ولهيباً من الجمر يجتثني كي أعيش التفاصيل
في خاطري المُجْهَدِ
كلما جلجل المرشدي:
أنا الشعب زلزلة عاتية
وأنا هاهنا لست أملك من وهج الأيام الثائرة سوى الزخم الهادر في حنجرة المرشدي، وعليّ اكتمال التفاصيل!
حينما زلزلت مدافع الثوار جهامة دار البشائر كان ثمة جزء من الروح يتململ كالمارد السجين. صنعاء تصحو على فجر يومٍ صبي:
“فولّی زمانٌ کعِرض البَغِيِّ
وأشرق عهدٌ كقلب النبي”
الضلوع الثائرة تُخرج كبت قرون من الاستكانة وتنطلق جياشة هادرة لتفتح خيالها على واقع جديد مفعم بالإرادة، ومتوالية لانهائية من التوقعات المبهرة.
يتواشج الوطن المكبّل في أقصاه وفي أدناه، يندحر الغاشم نحو أقصى الشمال ويتقوقع المحتل في أقصى الجنوب ليجد الوسط نفسه ذخيرة من الفداء الحميم يوزع أبناءه ذات اليمين وذات الشمال.
لقد كانت مناطق إب، الضالع، تعز، البيضاء.. ذخائر الثورة اليمنية من الأرواح والدماء التي ضخت، بسخاء ليحيا عزيزاً كاملُ الجسد اليمني.
شمال يتجمهر، وجنوب يتحرر، وبینهما يُمتشق النشيد كأنه صيحة النشور:
الله الله يا اکتوبر
الله على نورك في بلدنا
تمتلئ الأرواح بالحماس لعهد جديد وتنطلق هتافات الجماهير: عاش السلال والعربي جمال.
وبصوت أسمر رابط الجأش تتعالى نبرات محمد سالم عطروش من كلماته وألحانه وأدائه:
برع يا استعمار.. برع
من أرض الأحرار.. برع
وطني كان يومها مرجل التوق المتدفق صوب دقائق الكينونية والكرامة.
وانبری ألف قمندان وألف شبّابةٍ تنساب فى موال: هنا ردفاااان.
من ردفان الأبي كانت طلقة البدء من الثائر راجح بن غالب لبوزة بدِسْماله الممشوق نحو السماء وبندقه الممدود صوب المحتل.
تضافر العمل النقابي المنظم مع التحركات الدبلوماسية مع أزيز الرصاص النابض من فوهات بنادق التحریر.
وسط ربكة كبيرة من استقطابات ما بعد الاستقلال وحسابات الأهلّية والتمثيل ومناديب التفاوض والثقل الاقليمي الذي ألقى بظلاله على معارك تثبيت الجمهورية في الشمال.
ربما التبس الطريق على رواد المعركة الدبلوماسية غير أن رصاص التحرير كان يتكلم الفصحى في وطيس بلا خارطة سوى خارطة الوطن الروح.
وتيرة الأحداث في اليمن المنتفض كانت تسير بسرعة مذهلة لا تدع وقتا لترتيب الأوراق وحسابها جيدا من قبل أي من الأطراف ما جعلها سنوات حاسمة أهّلت التحول من سطوة الغرب الى وهج الشرق، ليخرج الوطن موزّراً بخروج الطغيان والاستعمار ولكن بعلَمين وسلطتين وغبار شاهق لأحداث كثيفة لم يدوّنها أحد.
روائع لطفي جعفر أمان، محمد سعيد جرادة، عبدالله البردوني.. ستظل الدليل النفسي الذي يقودنی وأترابي من أبناء هذا الجيل لمعرفة الجو الذي ترعرع في كنفه حلمُ يلد.
نحن الذين لا يعرفون شيئاً عن المسافة ما بين طلقة لبوزة وحتى رحيل آخر جندي بريطاني سوى ما تنفثه في خيالاتهم ترانيم المرشدي وعطروش.
وبما أننا ولدنا مجبولين على الإيمان بواحدية الثورة، فلن يستغرقنا نقاش حول ذلك، غير أننا سنظل نحِنُّ إلى بعض التفاصيل لنعرف جيدا ما الذي وقف يومها وراء انقطاع النفَس.
نداء: إن وجود متحف لثورة 14 اکتوبر في صنعاء ضرورة يمليها فضول الجيل الذي يجهل ما حدث.
__
(نشر هذا المقال قبل 17 عاما بصحيفة الثقافية احتفاء بالعيد الأربعين للثورة الاكتوبرية المجيدة 2003، بتصويب طفيف. وفي ختامه دعوة لافتتاح متحف عن اكتوبر في صنعاء، واليوم متاحف صنعاء في قبضة مخلفات الإمامة والمتحف الوطني بكريتر منهوب ومدمّر.. نحتاج لعمل كثير جدا).
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك