لست خبيراً في الفن السينمائي وتقنيات التصوير والأكشن والفوتوشوب، لكن الحقيقة أن ما جاء به الإعلامي في قناة الجزيرة جمال المليكي من خلال برنامجه الذي قيل إنه استقصائي “المتحري: الطريق إلى الساحل الغربي” كان خائباً، أكثر من خيبة حكاية “الأموال المنهوبة” لنفس المعد وعلى نفس القناة، التي استثنى منها هوامير النهب، وثروات الجنوب المنهوبة، وأصحاب البقالات والقادة العسكريين أبو راتب 50 ألف الذين قفزوا فجأة بعد عام 1994م وصاروا مليارديرات يمتلكون الشركات والبنوك والأسواق الشعبية والمدن السكنية ووكالات الشركات العالمية وغيرها.
لست معنياً بخلافات الجزيرة ومن وراءها حركة الإخوان المسلمين مع ورثة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لكنني أتناول هنا برنامجا قدم على أنه مادة استقصائية، المفروض أنها تتسم بالمهنية والموضوعية والحيادية والإبداع، بمعنى المجيء بشيء جديد لم يعرف من قبل، لكن هذا لم يجده المتابع لبرنامج “المتحري الأكشن”.
لو جاء البرنامج قبل ثلاثة عقود، وأعني قبل ظهور التقنيات الرقمية الحديثة وانتشار تقنيات الفوتوشوب وعمليات القص والنسخ واللصق التي يقوم بها أطفال لم يكملوا الابتدائية، لقلنا إن الرجل أتى بجديد، أما في عصر الثورة الرقمية والجيل الرابع والخامس فآسف أن أقول للمتحري، إن ما قدمته يمثل حلقة تدريب على التصوير والتوثيق المصطنع لتعليم الصغار كيف يدعون أنهم يقومون بعمليات استقصاء صحفي.
المختصون في فن السينما والتصوير السينمائي سيقولون الكثير مما لم أقله، وأنا هنا أتحدث فقط عن الجوانب الفنية التي لم تستطع إقناع أي متلق عادي أن البرنامج قدم مادة محترفة فيها إبداع أو تجديد أو كشف عن خفايا وجرائم، كما ادعى المروجون للبرنامج.
فكل الأوراق والصور والفوتوشوب التي قدمها معد البرنامج يمكن أن يقوم بها أي مبتدئ في التعامل مع شبكة الإنترنت لديه حاسوب وكاميرا حديثة واستوديو صغير في إحدى غرف المنزل فيجلس أمام الحاسوب ويفتح جوجل ويكتب المفردة التي تدله على ما يريد البحث عنه مثلا “الساحل الغربي”، “الإمارات”، “طارق صالح”، “المجلس الانتقالي”، “إريتريا”، “جزيرة سقطرى” أو “زقر” إلخ لتنهال عليه آلاف الوثائق والأوراق والصور الفوتو والفيديو، فيقوم باختيار ما يريد وتجميعه ودمجه في مادة يضيف لها صورته وهو يمشي في شارع يقول إنه في روما أو الحديدة أو لندن أو اللحية، أو يجلس أمام الكمبيوتر ليمثل أنه يتصل بخبير (دولي) بعد أن يكون قد اختار نوع الجواب، من إحدى المقابلات الفضائية أو رسائل البث المباشر، ثم يكيف سؤاله حسب الجواب المعد سلفاً.
هذا بالنسبة للمبتدئين، أما عندما يكون هذا المتدرب مدعوماً من قناة عالمية بحجم الجزيرة بكل ميزانيتها العملاقة وتقنياتها المتطورة وصحفييها المحترفين ومركزها الإعلامي الشهير، فبصراحة لقد كان البرنامج خائبا بكل المعاني.
هذا عن الجوانب الفنية فماذا عن المضمون السياسي:
تتركز المادة السياسية للفيلم (البرنامج) على أربع قضايا:
الأولى: أن الإمارات دولة احتلال تخطط لاحتلال الساحل الغربي بعد أن احتلت الجنوب بجزره وموانئه ومدنه،… إلخ.
وتلك مقولة معروفة للجميع وهي موقف الإخوان الإصلاحيين المعلن، التي يبدون فيها وكأنهم لا يعلمون أن الإمارات جزء من التحالف العربي الذي جاء بناء على طلب الرئيس الشرعي الذي يدعون أنهم الوحيدون الشرعيون معه.
الثانية: أن القوات التي يقودها طارق صالح صناعة إماراتية فهو لم يكن سوى حارس شخصي لعلي عبد الله صالح.
الثالثة: أن قوات طارق لا تعترف بالشرعية، ولا تعمل تحت قيادة علي محسن والمقدشي والقادة الذين سلموا نهم ومأرب والجوف والبيضاء للحوثيين بلا حرب.
الرابعة: أن الإمارات تمارس عمليات استخباراتية على اليمن وتنتهك السيادة اليمنية.
وكل هذه القضايا مردود عليها فهي لا تخرج عما يقوله إعلام الإخوان المسلمين من قطر وتركيا، وهو يأتي لمحاولة إقناع المتابعين أن الاحتلال التركي والقطري، سيكون أفضل لليمنيين في الشمال والجنوب مما يسمونه بـ”الاحتلال الإماراتي”.
وباختصار شديد كل الصخب والضجة الدعائية التي قدمتها الجزيرة للفيلم (البرنامج) تمخضت عن مجموعة صور باهتة لم تقل شيئا سوى أن الساحل الغربي خرج من سيطرة الإخوان المسلمين ولم يتبق لهم إلا المحافظ المسكين الذي اقتص له معد البرنامج حديثا ممنتجا مع قناة سهيل يحذر فيه من الخطر الذي تتعرض له الحديدة، ولم يقل من هو مصدر الخطر أهو الحوثيون، أم الإخوان المسلمون، أم المقاومة التهامية، أم الإمارات فعلاً؟
لم يتعرض الفيلم ولو بلقطة واحدة أو عبارة واحدة لجرائم الحوثيين في حق سكان مدن ومديريات الساحل الغربي، ولم يلتقط صورة واحدة لمجهودات الهلال الأحمر الإماراتي في إعمار المدن وترميم المدارس والمراكز الصحية ودعم الصيادين وعلاج الجرحى وضحايا الأوبئة الفتاكة. وكل ما قدمه عن الهلال الأحمر مجرد تصويرات على أنه جهاز استخباراتي إماراتي.
أما الجنوب فالمناحة عليه مستمرة ولم تتوقف ويبدو أنها لن تتوقف ما بقي الجنوب خارج سيطرة التنظيم الدولي.
وكان الله في عون الزميل البرلماني العتيق شوقي القاضي الذي ما إن انتهى من مشاهدة الفيلم، وكان من المروجين له مسبقا، حتى سارع لتوجيه رسالته إلى رئيس الجمهورية يطالبه فيها بإنهاء الاحتلال الإماراتي، مستنداً على مادة إعلامية مغشوشة كل ما فيها مجرد صور وأوراق منتزعة من الإنترنت ومتحدثين، يعبرون عن موقف سياسي يمكن أن يقول نقيضه آلاف المتحدثين من أبناء الساحل الغربي، وأضعافهم على الساحة اليمنية.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك