“طلبنوا” محافظة صعدة من عام 2004 وحرموا حتى الأغاني داخلها… فليس غريباً أن تنتقل “الطلبنة” إلى العاصمة بعد أن انتهوا من ابتلاع المال والسياسة وإرهاب المجتمع.
اللعبة القديمة المستهلكة… اختزال الدولة في الدين، واختزال الدين في المرأة، واختزال المرأة في الجنس..
والسبب؟
الفشل في تلبية أبسط احتياجات المواطن+ النهب غير المسبوق للفقراء بسم الجبايات والزكوات والمساهمات+ الفساد والإثراء غير المشروع الذي قسم السكان الى قسمين لا ثالث لهما (غنى فاحش وفقر مدقع)..
ومن أجل الهرب من سلاسل الفشل والنهب والفساد يتم اختراع قضايا تافهة حول الاختلاط والبالطوهات النسائية وأسماء المطاعم.
الهرب من سقوط إلى سقوط ومن حفرة إلى مستنقع!
* * *
أصنام التفكير وأوهامه.
كان صدور كتاب “الأورغانون الجديد- الوسيلة الجديدة لاكتساب المعرفة” لفرنسيس بيكون عام 1620 فاتحة جديدة في تاريخ البشرية تأسيسا للمنهج العلمي في البحث والتفكير.
أما أشهر أجزاء الكتاب فهو ذلك الفصل الذي تحدث فيه عن الأوهام أو الأصنام الأربعة التي تضلل الفكر وتعيق عملية التفكير العلمي المنظم.
ولست أجد مجتمعات تتزاحم فيها الأوهام الأربعة مثل مجتمعاتنا العربية.
-️ الوهم الأول سماه بيكون “وهم القبيلة”.
والقبيلة كما نعرف تقوم على التعصب لمعتقداتها الخاصة ورفض مناقشتها، ويزداد التعصب في المجتمعات التي تتعامل مع دينها وتقاليدها باعتبارها كاملة ونهائية.
إلى جانب التعصب قصد بيكون بوهم القبيلة انتقاء الأفكار والأدلة التي تدعم معتقداتنا، وإهمال تلك التي تتعارض معها، فيعجز العقل عن الفهم أو اتخاذ القرار السليم.
– ️ أما ثاني الأوهام فهو “وهم الكهف”.
وهو يختلف عن وهم القبيلة أنه يتعلق بالحدود التي تضعها البيئة والتربية والتجربة على تفكير الإنسان، وهي حدود ومعوقات “لا واعية” عكس أوهام القبيلة التي تكون تعصبا واعيا.
فالإنسان لا يفهم العالم الا من خلال تجربته الضيقة.
كلما انغلقت البيئة وقلت مساحة الحريات زاد تأثير وهم الكهف.
وليست مصادفة أن بيئتنا العربية التي تقيد حق التفكير والتعبير تحبسنا داخل كهف تجربتنا الذاتية فلا نقدر على تجاوزها.
– ️أما الوهم الثالث المعيق للتفكير العلمي فهو “وهم السوق”.. وهذا الوهم مرتبط باللغة.
فالناس يتبادلون الأفكار عبر اللغة كما يتبادل الناس البضائع في السوق عبر النقود.
لكن كما أن النقود قد تكون مزيفة، فاللغة أيضا قد تكون مضللة.
وما أشد انتشار هذا الوهم في مجتمعاتنا.. فنحن نسمي الهزيمة صمودا، والطغيان عدلا، وتفتيت المؤسسات والمجتمعات ثورة، والإرهاب احتجاجا، والحرية فوضى وفسوقا..
كما أن اللغة قد تتحدث عن أشياء غير موجودة تحجب المتناقشين عن رؤية العالم الحقيقي.
-️ أما الوهم الرابع ومشكلتنا المزمنة فهو “وهم المسرح” يقصد به بيكون تأثير تقديس القدماء والماضي وأثره على محدودية التفكير وتقييده لقدرة العقل على التحليل والفهم السليم.
انه وهم السلف الصالح والماضي الذهبي والتاريخ المجيد.
وقد صور بيكون ضحايا هذا الوهم بالمتفرجين على عرض مسرحي يؤديه القدماء فلا يملكون أمامه الا الاقتناع والتصفيق.
ويتعلق بهذا الوهم تأثير الشهرة والانتشار وعدم قدرة العقل على نقد الأفكار الشائعة بسهولة، فيسلم بصحتها دون تدقيق.
وما أحوجنا لاستيعاب هذه الأوهام/الاصنام، وإدراك تأثيرها على عقولنا وتفكيرنا، ومحاولة التخلص منها قدر الإمكان وهما لنعانق العالم بلا حجاب، ونفهمه على حقيقته فهما نقديا علميا بلا أوهام.
* من منشورات للكاتب على صفحته في الفيس بوك