قبائل اليمن – وكالات
تقول هدى عثمان حسن في أسف “لقد كان دور المرأة الأعمال المنزلية فقط”، تعيش هدى في عبس تلك المقاطعة الريفية شمال اليمن بالقرب من الحدود مع السعودية، وتضيف “رغم أننا معلمات وحصلنا على شهادات جامعية، فإننا لا نملك حق اتخاذ القرار ولم نتمكن من العمل في أي مجال”.
لكن الآن أصبح هناك مشروع جديد يساعد في تغيير تلك العادات، ففي العام الماضي أسست هدى و9 نساء أخريات في عبس شبكة طاقة شمسية صغيرة على بعد 32 كيلومترًا فقط من خطوط المواجهة الأمامية للحرب التي قتلت عشرات الآلاف وشردت أكثر من 3.3 مليون شخص.
يعد المشروع واحدًا من ثلاثة لبرنامج تنمية الأمم المتحدة الذي يساعد في تأسيس تلك الشبكات في المجتمعات التي لا تملكها في البلاد، تعد محطة عبس المحطة الوحيدة التي تديرها النساء بالكامل.
أما المحطتان الأخريان فتقعان في مقاطعة بني قيس بالقرب من عبس ومحافظة لحج في جنوب البلاد ويدير كل منهما 10 رجال، 30% منهم من النازحين، قبل بناء محطة عبس كان الناس لا يملكون الكهرباء نظرًا لارتفاع أسعار الكهرباء التجارية، وتقول هدى إن الناس كانوا يضطرون لاستخدام الكشافات أو مصابيح قوتها 5 وات وتعمل بالبطارية.
والآن توفر شبكة الطاقة الشمسية الصغيرة مصدرًا للطاقة النظيفة والرخيصة والمتجددة، كما عالجت مشكلة أخرى أساسية وهي مساعدة النساء في الحصول على مصدر ثابت للدخل واكتساب مهارات مهنية جديدة.
يعد اليمن في ذيل مؤشر الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين، وهناك فرص عمل محدودة للغاية للنساء خاصة في المناطق الريفية، لكن بالنسبة للفريق الذي يدير محطة عبس كان هذا العمل خطوة تحويلية.
تقول إيمان غالب الحملي مديرة المحطة: “في البداية كانوا يسخرون منا ويقولون إننا نريد أن نقوم بعمل الرجال، أما الآن فقد أصبح المجتمع يحترمنا كأصحاب عمل، وأصبحوا يأتون إلى المحطة ويسألون عن فرص عمل، إنهم يرغبون في أن تشارك نسائهم وينجحن مثل فتيات الشبكة الصغيرة”.
وتضيف “لقد عزز المشروع من اعتمادنا على الذات والثقة في المشاركة بالمجتمع وكسر الخطوط الحمراء في التعامل مع الرجال، والآن أصبحنا نساهم في الميزانية الشهرية للأسرة لتغطية نفقات الطعام والاحتياجات الأساسية”.
إنتاج وبيع الطاقة
قبل بدء حرب اليمن في 2015 كان الحصول على الطعام والوقود معاناة كبيرة، والآن بعد 5 سنوات أصبح أكثر من 80% من السكان بحاجة للمساعدة، وأصبح أكثر من نصف سكان الريف لا يملكون أي مصدر للطاقة بسبب مواصلة ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري كما أن الحظر يجعل الحصول على الوقود أكثر صعوبة، بالإضافة إلى ذلك تسبب كوفيد-19 المتفشي في اليمن إلى تعميق الأزمة.
هذه المرة الأولى في اليمن التي تعمل فيها الشبكات الصغيرة على إنتاج وبيع الطاقة الشمسية، كما تعد أول مصادر الطاقة التي يدرها القطاع الخاص في البلاد، قبل وصول تلك الشبكات كانت المجتمعات الريفية تعتمد على مولدات الديزل التي تلوث البيئة وتعد باهظة وتتغير تكلفتها وفقًا للتحول المفاجئ في أسعار الوقود.
الآن تتمتع تلك المجتمعات الثلاث بإمكانية الوصول إلى طاقة مستدامة كما انخفضت فواتير الكهرباء بنسبة 65% وفقًا لأرفيند كومار مدير المشروع التنموي التابع للأمم المتحدة في اليمن، فبينما كان الديزل يكلف 0.42% في الساعة تكلف الطاقة الشمسية 0.02% في الساعة فقط مما يجعله في متناول اليمنيين.
يقول كومار: “محطات الطاقة الحاليّة في اليمن لم تعد تعمل، والبنية التحتية لنقل الطاقة حاليًّا لا توجد في المناطق الريفية، هذه المناطق الريفية هي قلب الاقتصاد اليمني حيث تعتمد الزراعة والمياه والخدمات العامة والاقتصاد المحلي على الوقود الأحفوري”.
مع انعدام الدخل والوظائف وارتفاع أسعار الوقود أصبحت المجتمعات الريفية تعاني لتتمكن من الوقوف على أقدامها، في هذا السياق أصبحت شبكات الطاقة الشمسية – الصغيرة والمتوسطة – الطريق للمستقبل.
لتأسيس المشروع وفر برنامج التنمية للأمم المتحدة أموال المنحة الأولية ودرب النساء في عبس والشباب في بني قيس ولحج لتأسيس وإدارة وصيانة مشروعات شبكة الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء لمجتمعاتهم.
تقول أمينة يحيى دوالي موظفة تقنية في محطة عبس: “لقد تعلمت المهارات التقنية مثل شحن البطاريات وتوصيل الأسلاك وقياس الطاقة باستخدام جهاز آفوميتر وتحويل الطاقة من تيار مستمر إلى تيار متردد وفحص سعة الطاقة بالكيلووات”.
شمل التدريب الذي كانت مدته 20 يومًا المهارات التجارية والمالية بالإضافة إلى 4 أيام للتوجيه والتدريب على نموذج للشبكة الصغيرة، يدعم الاتحاد الأوروبي المشروع أيضًا وتنفذه مؤسسة التنمية المستدامة ومنظمة كير الدولية.
فوائد مجتمعية
في عبس، ساعدت الشبكة الصغيرة على تحسين الحياة لقطاع واسع من المجتمع، تقول إيمان غالب: “في مجتمعي اعتدنا النوم في الساعة السابعة مساءً، الآن أصبح بإمكاننا إنجاز المزيد من المهام ليلًا، قامت سيدة ببيع شاة لها لشراء ماكينة خياطة وأصبح الآن بإمكانها الحياكة في المساء بمنزلها بعد نوم الأطفال”.
منحت جمعية آشدن الخيرية للابتكار المناخي جائزة “أشدن للطاقة الإنسانية” لهذا المشروع عام 2020، وقال المتحدث باسم الجمعية: “اعتقدت المنظمات المحلية غير الحكومية أن المشروع سيواجه تحديات ضخمة لأنه مشروع تقني للغاية وهؤلاء النساء لم يعملن في شيء مشابه من قبل”.
وأضاف “لقد قالوا إن وضع هذه الأجهزة باهظة الثمن في أيدي أشخاص لم يستخدموها من قبل سينهي المشروع خلال 4 أشهر، لكن المشروع مر عليه الآن أكثر من عام وما زالت الشبكة تعمل وتولد الكهرباء والدخل ولم يُسرق شيء أو يّخرب، إن المجتمع يرى فوائد تلك الشبكات ويحميها”.
تعمل الشبكتان الأخريان بقدرة كاملة وتوفران الطاقة للمحال التجارية، في المشاريع الثلاث تساعد الكهرباء التي يبيعها الملاك الثلاثون للمشروع 70 ضعف هذا العدد من الناس، كما تمكن 2100 شخص من الحصول على دخل بعد أن تمكنوا من بدء أنشطة مولدة للدخل مثل الحياكة واللحام وبيع الخضراوات وإنشاء المتاجر، وبالإضافة إلى مستخدمي تلك الخدمات حقق 10 آلاف شخص مكاسب غير مباشرة من الطاقة المستدامة في المجتمعات الثلاث.
الجزء الأكثر وضوحًا لتلك المبادرة أن ترى المستفيدين منها لم يعودوا عرضة للخطر أو يعتمدون على المساعدات بعد أن أصبحوا يملكون طريقة دائمة لتوليد الدخل، في بعض الدخلات الإنسانية الأخرى في اليمن من الصعب الحصول على مثل هذه الأدلة وفقًا لكومار.
هذه المشروعات أصبحت أكثر أهمية الآن بعد انتشار كوفيد-19 في البلاد، يقول أووك لوتسما الممثل المقيم لمشروع الأمم المتحدة التنموي في اليمن: “بينما نكافح كوفيد-19 تمدد نظام الرعاية الصحية والاقصاد والمجتمع المدمرين بالفعل إلى حدود جديدة”.
“لذا إذا أردنا أن نلبي احتياجات الطاقة عبر مختلف القطاعات فإننا بحاجة لمواصلة بناء حلول لا مركزية جريئة للطاقة داخل الشبكة وخارجها والترويج لتلك الحلول بين شركاء التنمية وممثلي القطاع الخاص والمؤسسات المالية الدولية”.
تتمثل الخطوة التالية للمشروع في تأمين التمويل من القطاع الخاص ومؤسسات التمويل الصغيرة لبناء ما يقرب من 100 شبكة صغيرة إضافية في المناطق النائية في البلاد وذلك لإبقاء المدارس مفتوحة وكذلك المستشفيات في أثناء الصراع والجائحة.
يخطط المشروع التنموي للأمم المتحدة أيضًا لإنشاء مشروع يحول النفايات إلى طاقة وتحلية المياه وفقًا لنفس نموذج المشروع، تقول غالب: “المستقبل واعد، فقد تحقق حلمنا ببناء أول محطة، والآن نسعى إلى تغطية باقي المناطق”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية