ما قبل وصول (إيرلو) وما بعده … الإيرانيون يُضيئون مصابيح سفارتهم بصنعاء (تحليل)
قبائل اليمن / عدنان الجبرني
بينما تعمل أجهزة المخابرات الاقليمية والدولية، والصحافيون المحترفون، على فك شفرة وصول السفير الإيراني لدى الحوثيين الى صنعاء، حسن ايرلو، يستبشر الفريق السياسي للجماعة بإعلان أول خطوة في الهدف الرئيسي وضعته قيادة الجماعة مطلع ٢٠١٩ ضمن استراتيجية شاملة، وبعد لقاءات غير معلنة مع مسؤولين إيرانيين ولبنانيين.
ومنذ نحو عامين، أقرت جماعة الحوثي خططاً جديدة في المواجهة مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية، من بينها التحول العسكري من الدفاع الى الهجوم، في ظل حالة الركود والتصدع الذي ضربت التحالف العربي.
وبحسب مصدر سياسي في صنعاء، يعمل الى جانب قيادات من جماعة الحوثي، منذ العام ٢٠١٩ لم تعد المهمة الرئيسية للفريق الحوثي المفاوض والمقيم في مسقط بقيادة محمد عبدالسلام هي إدارة المشاورات السياسية التي يديرها المبعوث الأممي مارتن غريفيث، وإنما العمل على إحداث ثقب في جدار العزلة الدولية على الجماعة منذ انقلابها وطلب الرئيس هادي التدخل السعودي في ٢٠١٥.
استشعر الحوثيون ضرورة أن تترافق التطورات الميدانية مع انتزاع اي اعتراف دولي، وذلك الاعتراف لن تغامر في إهدائه للجماعة، وخرق قرارات مجلس الأمن سوى إيران التي استمرت علاقتها بالحوثي تتطور في الخفاء، ولم تتردد يوما في تقديم أي من أشكال الدعم للجماعة منذ بواكير تخلقها قبل عقود في صعدة شمال البلاد.
في منتصف العام ٢٠١٩ كان محمد عبدالسلام يغادر صنعاء بعد زيارة قصيرة لصنعاء، وضواحيها، اجتمع فيها مرارا مع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وعاد إلى مقره المؤقت في مسقط، بعد تمحيص خيارات الجماعة، واستقرارها على أن خيار اعلان علاقتهم بالايرانيين وترقيتها برتوكوليا مقدمٌ على المحاذير التي تجعلهم يصورون أنفسهم على قدر من المسافة مع إيران، لإتاحة المجال للتقارب ولو من باب “التكاذب” مع السعودية، في إطار حل سياسي للحرب.
في منتصف يوليو التقى محمد عبدالسلام بالسفير الايراني في مسقط، للإعداد لزيارة طهران والولي الفقيه خامنئي والحديث بالمكشوف بعد سنوات من الهمس والتخفي والمواعدة.
في الشهر التالي، اغسطس ٢٠١٩، غادر محمد عبدالسلام رفقة نائبه في المفاوضات، عبدالملك العجري ومدير قناة المسيرة عضو المجلس السياسي للجماعة ابراهيم الديلمي، نحو طهران، في أول اعلان من نوعه يشير الى مستوى العلاقة الآخذ في التطور.
عقد الوفد الحوثي لقاءات مع أرفع المسؤولين الايرانيين في الحكومة ثم التقى المرشد الأعلى خامنئي، وبعدها أعلنوا عن تعيين ثالث الثلاثة، ابراهيم الديلمي، سفيراً لهم لدى جمهورية إيران الاسلامية، وكانت تلك الخطوة أول الطريق الذي وصل من خلالها، قبل يومين، سفير إيران وكُشف عن وجوده في صنعاء.
في نوفمبر ٢٠١٩ سلم الديلمي أوراق اعتماده للرئيس الايراني حسن روحاني، وسلمته ايران مقر سفارة الجمهورية اليمنية لديها، كانت الحكومة اليمنية قد أعلنت قطع العلاقات وسحب السفير اليمني من طهران في اكتوبر ٢٠١٥، واختار الايرانيون ذات الشهر للاعلان عن وصول سفيرهم لدى الحوثيين الى صنعاء.
بين زيارة محمد عبدالسلام لطهران واعتماد الديلمي (كسفير لليمن بطهران) كان الحرس الثوري المتداخل مع جماعة الحوثي عسكريا وميدانيا وتنظيميا قد نفذ في سبتمبر ٢٠١٩ أخطر عملية استهدفت منشأة النفط السعودية ارامكوا.
أعلنت الجماعة مسؤوليتها رغم تشكيك الجميع، بمقدرتها على تنفيذ هجوم بذلك الحجم، وصدّقت الأمم المتحدة لاحقاً على تلك الشكوك وجزمت بأن الصواريخ إيرانية، وظلت طريقة التنفيذ غامضة حتى الآن.
ومثلها ستظل طريقة وصول ايرلو الى صنعاء غامضة حتى حين، وكلمة السر في الحالتين “الحرس الثوري الايراني”، بقدراته الاستخبارية واللوجستية والتنظيمية الممتدة في عدد من العواصم العربية.
كانت السعودية قد أعلنت نهاية سبتمبر الماضي القبض على خلية ارهابية دربها الحرس الثوري الايراني.
لكن المنعطف الأهم الذي واجهته الجماعة تمثَّل في لحظة إعلان مقتل سليماني بطائرة امريكية في مطار بغداد في اول ايام ٢٠٢٠، وبدا حينها تعامل الجماعة مرتبكا مع الحادثة الأليمة لإيران وأذرعها، وتفاوتت اللغة المستخدمة في بيانات الجماعة ونعي عبدالملك الحوثي للقائد الأبرز، الى أن ظهر جنرال في القوة الجوية للحرس الثوري يتوعد امريكا بالرد وخلفه شعارات اذرع ايران في المنطقة من بينها شعار جماعة الحوثيين التي قال إنها ستكون جزء من الرد على مقتل الحاج سليماني والوجود الامريكي في المنطقة.
في ذلك الوقت أعلنت الادارة الامريكية انها نفذت غارة تستسهدف الجنرال الايراني عبدالرضا شهلائي ممثل الحرس الثوري لدى جماعة الحوثي في شمال اليمن لكنها فشلت في قتله.
وبدا أن مقتل سليماني والغارة التي استهدفت شهلائي قد أربكت الخطة المزمّنة لمسار الاعلان عن تطورات العلاقات بين الحوثيين وايران.
وفي يوليو الماضي نشأ شجار بين الحوثيين والمبعوث الأممي مارتن غريفيث بعد إدانته سحب الجماعة للأرصدة من فرع البنك في الحديدة بشكل يخالف التزامات اتفاق السويد.
هاجم محمد عبدالسلام غريفيث بشدة، لكن التصريح الأهم كان لسفير الحوثيين في طهران عندما ظهر على قناة المسيرة يهجو غريفيث ويلوّح بأن الجماعة تركز على بناء تكتلات وعلاقات اقليمية بديلة عن الأمم الممتحدة التي تقف الى جانب “العدوان”، حد وصفه.
أواخر العام الماضي، وخلال العام الحالي ايضا، نشطت لوبيات مجموعات ولوبيات حوثية في عقد لقاءات في عواصم اوربية واقليمية لتقديم الجماعة كحكومة تسعى الى علاقات اكبر يوازي ثقلها على الارض.
في ٣ اكتوبر الحالي، كتب القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي تغريدة قال فيها “عمل دبلوماسي قادم.. قد يقلقهم”، ويوم السبت أعلن متحدث باسم الخارجية الايرانية أن “سفير الجمهورية الاسلامية الايرانية فوق العادة ومطلق الصلاحية حسن ايرلو قد وصل الى صنعاء”.
وقالت صحيفة المسيرة الناطقة باسم الحوثيين، يوم الاحد، إن وصول السفير هو ما المح اليه محمد الحوثي قبل ايام.
وجاء الاعلان الايراني بعد ٣ أيام من وصول طائرتين عمانيتين الى مطار صنعاء تقل جرحى وعناصر من الجماعة كانوا عالقين في مسقط منذ شهور لم يسمح التحالف بعودتهم.
وقال مسؤولون سعوديون لوول ستريت جورنال انهم كانوا مترددين في قبول الصفقة التي توسطت فيها عُمان وتقضي بافراج الحوثيين عن رهينتين امريكيتين مقابل السماح بعودة عناصر الحوثي في مسقط.
وبرر السعوديون تلكؤهم: نعتقد أن كثير منهم قد تلقوا تدريبات متخصصة على يد الايرانيين في انظمة الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية.
الاعلان أوحى لكثيرين أن اورلو قد وصل على متن الطائرات العمانية قبل أيام بهوية مزيفة.
لكن هذا الافتراض قد يصبح مستبعدا بالنظر الى طريقة الايرانيين والحوثيين الماكرة في استغلال المناسبات والأحداث بالاستناد الى موروث مراسيمي ضارب قي القدم، للتمويه.
ويرجح أن الايرانيين قد استغلوا عودة العالقين للاعلان، والايحاء بأنه وصل خلال الرحلات، لكن هل يجرؤ الايرانيون والحوثيون على احراج الوساطة العمانية وهي الرئة التي يتنفسون من خلالها حاليا؟
الأرجح لا
وفي ظل شحة المعلومات، حتى المواقف الرسمية للتحالف لم تعلن إلى الآن، تذهب التوقعات الى ان ايرلو وهو ضابط وخبير أنظمة الدفاع الجوي، قد وصل الى مناطق الحوثيين قبل فترة طويلة من إعلان وصوله، وربما عمل فنيا وتقنيا على مساعدة الحوثيين في القتال.
والى أن تتكشف مزيد من الخيوط حول الطريقة التي دخل بها اورلو وتاريخ وصوله تحديدا؛ يجب التركيز على التوصل الى تفسيرات دقيقة لما تمثله هذه الخطوة وانعكاساتها.
وبالنظر الى مسار تطور العلاقة بين الحوثيين والايرانيين والى معلومات مصدر سياسي في صنعاء، فإن هذه الخطوة ليست سوى تدشينا لمحاولة الجماعة كسر عقدة الاعتراف الدولي وفرض أمر واقع في هذا الملف مثلما تسعى لتثبيت سيطرتها وقوتها كأمر واقع، وستعقبها خطوات شبيهة بشكل او بآخر من حلفاء ايران ودول أخرى، تصب في سياق مزيد من الاعتراف “الاعلامي بالجماعة” كورقة تضاف الى طاولة الحوثيين في أي مفاوضات.
يوم أمس الأحد نشرت وكالة سبأ بنسختها الحوثية خبرا عن لقاء المشاط بوزير خارجتيه هشام شرف، للاطلاع على عمل الوزارة، وبما أن متحدث الخارجية الايرانية قد تحدث يوم السبت،ان اورلو سيقدم اوراق اعتماده لشرف والمشاط فمن المرجح ان لقاء الامس لترتيب اعلان المراسيم.
الخلاصة، أن هناك سفارة قد أضيئت مصابيح غرفها مجدداً في صنعاء بعد سنوات من العَتمة، وفي كبْس زر التحكم لإضاءة كل مصباح يرى الحوثي بارقة أمل لمصلحته، ما لم تنجح الحكومة الشرعية والتحالف العربي في إطفاء المولد الذي يغذي هذه الشرارات ويشعلها في جسد المنطقة